مع الحدث
المتابعة ✍️ : ناقد مع الحدث
في خطوة جريئة ومحمودة، قرر أمير المؤمنين إلغاء شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة، مراعاة للظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، وحفاظًا على القطيع الوطني الذي شهد تراجعًا مقلقًا في أعداده نتيجة سنوات الجفاف وغلاء الأعلاف. قرار يعكس رؤية ملكية استباقية هدفها حماية الأمن الغذائي للمغاربة، وتخفيف الضغط على الأسر المتوسطة والفقيرة التي أصبحت بالكاد تقدر على مسايرة تكاليف المعيشة اليومية.
لكن، ويا للأسف، جاء الرد من المواطنين مخيبًا للآمال. فبمجرد اقتراب موعد العيد، سادت مظاهر اللهفة المفرطة والتهافت غير العقلاني على اقتناء اللحوم و”الدوّارة”، وكأن المناسبة الدينية لا تقوم إلا على الذبح والشواء والتخزين. مشاهد فوضى في الأسواق، سباق نحو اقتناء ما تبقى من رؤوس الأغنام، وتدافع داخل محلات الجزارة، دفعت الجزارين و”الشناقة” إلى رفع الأسعار بشكل فاحش واستغلال الطلب مع قلة العرض حيث بلغ سعر .
الدوّارة إلى 800 درهم، واللحم تجاوز 150 درهمًا للكيلوغرام، في حين شهدت أسعار الدواجن أيضًا قفزة غير مبررة، وكأننا أمام تسونامي استهلاكي لا يرحم.
يقول أحد الخبراء الاقتصاديين في تصريح صحفي:
“ما وقع هو نتيجة مباشرة لانعدام ثقافة استهلاكية عقلانية، المواطن المغربي لا يزال يربط المناسبات الدينية بالاستهلاك المفرط، وهذا ما يشجع المحتكرين والمضاربين على التحكم في السوق وفرض أسعار لا تتماشى مع القدرة الشرائية للطبقات الهشة.”
من جانبه، يؤكد أستاذ في الفقه الإسلامي:
“الأضحية سنة مؤكدة، وليست فرضًا، وإلغاؤها إذا كان فيه مصلحة عامة—كالحفاظ على الثروة الحيوانية وتخفيف العبء عن الناس—فهو أمر جائز شرعًا، بل قد يكون أولى. الدين لا يريد منا أن نُفني مدخولنا السنوي في شراء خروف، بل أن نُظهر التضامن ونُراعي أوضاع بعضنا البعض.”
لكن يبدو أن هذه الرسائل لم تصل بعد إلى عمق المجتمع. فالثقافة السائدة لا تزال تختزل العيد في “الشواء والتحمار والتبخار”، وتتجاهل القيم الحقيقية التي يحملها، وهي التكافل والتراحم والبُعد عن التبذير.
وفي ظل غياب حملات توعوية قوية من الجهات المعنية، وغياب أي رقابة حقيقية على الأسواق، تُرك المواطن فريسة سهلة لجشع التجار، وهو من يتحمل المسؤلية الكاملة لما يقع فيه وما وصل اليه لكن لا ننسىى أن تساءل عن دور مؤسسات حماية المستهلك، التي بقي حضورها باهتًا أمام فوضى الأسعار وغياب المعايير.
فهل نحن فعلاً مجتمع يستحق قرارات استراتيجية شجاعة؟
وهل لدينا القدرة على استيعاب معنى التضحية بعيدًا عن “اللحم”؟
أم أننا لا نزال أسرى لعادات وتقاليد ترهقنا ولا تُغني من فقر؟
الجواب، للأسف، واضح في ما يحدث اليوم في الأسواق…
الأزمة الحقيقية ليست في غلاء الأسعار فقط، بل في غياب الوعي المجتمعي وتقافة الاستهلاك والنظرة المستقبلية…
هذه اللحظة كانت من المفترض أن نُظهر فيها حسًا جماعيًا عاليًا؟ لكن للأسف ما وقع سجل علينا في قلة الوعي أما الأزمة الحقيقية لا تكمن في قلة الموارد، بل في سوء التدبير وغياب الوعي، وفي مجتمع يُربّى منذ الصغر على طقوس العيد بدل روح العيد. فإلغاء الأضحية ليس نهاية العالم، بل بداية لحظة تأمل ووعي جماعي كان من الممكن أن يُبنى عليها مشروع وطني لحماية الأمن الغذائي وتشجيع الإنتاج المحلي وتقوية التضامن الاجتماعي.
تعليقات ( 0 )