مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
في عالم يُقاس فيه الوجود بالكلام، يظل الصم والبكم في عزلة صامتة مفروضة لا اختيارية. هؤلاء الذين لا يسمعون الأصوات ولا يلفظون الحروف، يعيشون وسط مجتمع لا يُتقن لغتهم، ولا يجهد نفسه لفهمها. ومع كل إشارة يلوّحون بها، ومع كل حركة تعبّر عن معنى، يصطدمون بجدار من اللامبالاة أو الجهل أو حتى الشفقة.
عندما تتكلم اليدان نيابة عن اللسان
“أحيانًا أشعر وكأنني غير مرئي”، يقول أحمد (32 عامًا)، الذي وُلد أصم. “يرونني، لكن لا يفهمونني، وكأنني من عالم آخر”. لغة الإشارة، التي تعدّ وسيلتهم الوحيدة للتواصل، تحمل في طياتها ثراءً تعبيريًا لا يقل عن أي لغة منطوقة، لكنها تفقد قدرتها على الوصل عندما يكون الطرف الآخر عاجزًا عن فك رموزها. مشاهد كثيرة تتكرر: في المستشفيات، في الإدارات، في المحاكم.. حيث يضطر الصم إلى كتابة ما يريدونه، بينما الآخرون ينجزون مهامهم بلغة مفهومة ومتداولة.
عقبات التعليم والعمل
توضح سارة، معلمة في مدرسة للصم، أن “الطلاب يعانون ليس فقط من ضعف البنية التربوية، بل من افتقار المؤسسات التعليمية للكفاءات التي تفهم احتياجاتهم”. كثير منهم يُزجّ بهم في مدارس عادية دون أي دعم، فيضيعون بين المناهج غير الملائمة، وبين نظرات الشفقة أو التنمّر من زملائهم. أما في سوق الشغل، فالمعضلة أكبر؛ مؤسسات ترفض توظيفهم بحجة “صعوبة التواصل”، رغم أن العديد منهم يتقنون مهارات عالية في التصميم، البرمجة، وحتى ريادة الأعمال.
بين وصمة الشفقة وعائق الجهل
تقول نورة، طالبة جامعية صماء: “البعض يعاملنا كأطفال، والبعض الآخر يبالغ في الشفقة، وكأننا لا نملك إرادة أو قدرات”. لا يحتاج الصم إلى شفقة، بل إلى فهم حقيقي لاحتياجاتهم، وإلى مساحة يعبرون فيها عن أنفسهم بكرامة. إنهم لا يعانون من خلل داخلي، بل من بيئة ترفض أن تتكيّف مع اختلافهم.
ماذا ينقصنا كمجتمع؟
رفع الوعي بلغة الإشارة: من خلال حملات توعوية وتشجيع عامة الناس على تعلم أساسيات التواصل مع الصم.
توفير مترجمي لغة الإشارة في المستشفيات، الإدارات، المحاكم، ووسائل الإعلام.
دمج الصم في سوق العمل بوضع سياسات واضحة تضمن تكافؤ الفرص وتوفير أدوات التواصل.
تمثيلهم في الإعلام بشكل إيجابي وواقعي، يعكس قدراتهم ونجاحاتهم بدلًا من التركيز على معاناتهم فقط.
إدراج مواد تعليمية في المناهج الدراسية لتعليم الأطفال لغة الحوار مع هذه الفئة. لماذا لا نُعلّم طلابنا منذ الصغر كيف يحيون أو يسألون عن الحال بلغة الإشارة؟ تخيّل جيلًا يستطيع التفاعل مع زملائه الصم من دون حواجز!
دعوة إلى كسر الصمت
الصمم ليس عجزًا عن الفهم، بل اختبار للمجتمع: هل يستطيع أن يفهم دون سماع؟ كل ابتسامة، كل حركة باليد، كل نظرة، هي محاولة تواصل من طرفهم، فهل نردّ عليها بمحاولة مماثلة؟ الحوار لا يحتاج دومًا إلى كلمات.. يحتاج إلى نية صادقة وفتح باب التفاهم.
“الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في المجتمع الذي لا يتعلّم كيف يتعامل مع الاختلاف.” — مقولة من أحد الناشطين الصم
تعليقات ( 0 )