حين يتحول الأستاذ إلى ملهم.. عبد الكريم بلحاج نموذجاً

فاطمة الحرك

وقفة وفاء لرجل استثنائي باتت نادرة في زمن السرعة والنسيان برز اسم الأستاذ عبد الكريم بلحاج كأحد أولئك الذين حملوا على عاتقهم همّ الفكر وأمانة التربية الجامعية بإخلاص نادر ونُبلٍ لا يُضاهى. إنه أحد الوجوه الفكرية المغربية التي طبعت المسار الأكاديمي بروح الجدية والانفتاح، ووهبت سنين العمر لزراعة المعنى في عقول الطلبة، وحراسة القيم في قلب المؤسسة الجامعية.

ينتمي هذا الجوهرة النادرة إلى طينة من المثقفين الذين لا يكتفون بترديد المعرفة بل يتفاعلون معها نقداً وتجديداً انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الجامعة ليست مجرد فضاء للدرس بل هي حاضنة للعقل ومشتل للوعي ومسؤولية تجاه المجتمع. في دروسه، لا يلقّن بل يحاور لا يُملي بل يستفزّ الفكر، ولا يطلب من الطلبة سوى أن يجرؤوا على السؤال وأن يوسّعوا مداركهم نحو أفق إنساني رحب، يجمع بين الصرامة العلمية وحرارة الالتزام.

لقد كان، وما يزال مثقّفاً يقرأ الواقع بعيون الفيلسوف ويتعامل مع الفكر بوصفه فعلاً متواصلاً في الزمان والمكان إذ لا يكتفي بإنتاج المقالات أو نشر المؤلفات بل يحرص على أن يكون حاضراً في النقاش العمومي وفي تفاصيل الحياة الجامعية التي يعتبرها ساحة لبناء الإنسان قبل الشهادات لم ينغلق داخل أسوار المؤسسة، بل ظلّ منفتحاً على هموم المجتمع، مدافعاً عن القيم التي يرى أن الجامعة يجب أن تجسّدها: الحرية، الكرامة، العقلانية، والعدالة.

من خلال كتاباته ومداخلاته ومساهماته، رسم الأستاذ عبد الكريم بلحاج معالم فكرٍ عقلاني نقدي، عابر للتخصصات الضيقة، يحاور الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، بروح تأملية عميقة ووعي بضرورة تجاوز الجاهز والسائد. وهو في ذلك ليس فقط أستاذاً يُدرّس، بل أيضاً معلّماً يُلهم، ومثقفاً يُضيء، وإنساناً يحمل في خطابه وفعله تلك الهشاشة النبيلة التي تميز المفكرين الحقيقيين.

إن ثقافة الاعتراف التي نحاول استحضارها اليوم هي نوع من ردّ الجميل الرمزي لرجل أعطى ولم يطالب، علّم ولم ينتظر، ساهم في بناء أجيال من الطلبة والباحثين والمثقفين الذين يدينون له بالكثير. فحين نذكر عبد الكريم بلحاج لا نذكر فقط أستاذاً جامعياً، بل نذكر شخصية مغربية أصيلة اختارت أن تجعل من المعرفة مسار حياة ومن التربية مشروعاً للمستقبل ومن الفكر أداة لتحرير الإنسان لا تقييده.

تحية لهذا الرجل الذي يواصل العطاء في صمت بكرامة المفكر وهدوء الحكيم. تحية لك استاذي فأنت عنوان الوفاء للفكر والصدق في الموقف والنبالة في الأداء.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)