مع الحدث/ وجدة
المتابعة✍️: ذ.أيوب ديدي
في زمننا هذا يبدو أن التعبير عن الرأي لم يعد فعلا نضاليا أو صرخة من عمق المعاناة، بل أصبح عرضا تجاريا ضمن كتالوج إلكتروني أنيق.
وصلت إلى هذا الاستنتاج الذي لا أعممه ، حينما صادفت إعلانا موجها إلى Z GEN تحت شعار جذاب “لبّس صوتك، عبّر عن حقك! ” فقلت في نفسي: أخيرا، ها قد نهض الجيل الموعود ، ليعيد صياغة العلاقة بين المواطن والشارع، بين الكلمة والموقف… قبل أن أكتشف أن العلاقة الجديدة تمر عبر ماكينة الدفع الإلكتروني أو الدفع عند الاستلام.
العرض بسيط وواضح يطلب من الشباب أن يعبروا عن مطالبهم ، بثمن يتراوح بين 134 و167 درهما ، مقابل تيشورت أبيض أو أسود يحمل جملا تعبر عن المطالب التي رفعت في الشارع: الإعلان يطلب من الشباب أن يلبسوا تلك المطالب لتبقى قريبة منهم، لكن بالمقابل، أي يجب الدفع لتعلن عن مطالبك أمام الجميع ، وهم يوفرون لك باقة من الوعي الاجتماعي ونسخة محدودة من الغضب الشعبي، مطبوعة بعناية على قطن مستورد.
يا لها من ثورة ناعمة تليق بعصر الفيزا كارد!
استثارني الإعلان ، فقررت أن أطلب تيشورت تضامنا مع الشباب رغم أنني واحد من جيل الطفرة السكانية (Baby Boomers) ولم أعد أعرف طبيعة علاقتي مع حراك GEN Z . رغم هذا الغموض في التقسيم الخواريزمي، قررت أن أطلب تيشورت، لا رغبة في الموضة بل دعما لمطلب الشباب المقدس، في أن يعبروا بكل حرية دون أن يواجهوا بالعنف.
غير أن المفارقة سرعان ما انفجرت، ذلك أن أصحاب الإعلان ليسوا ناشطين ولا علاقة لهم بالحراك ، بل مؤسسة تجارية تتقن تسويق الاحتجاج القابل للغسل.
هنا أدركت أن هذا الجيل، لم يعد يؤمن بالثورات المجانية، بل بالثورات التي تدفع مسبقا حتى تتمكن من التميز على المحتجين الفقراء. جيل براغماتي أكثر من البراغماتية نفسها، يحول الغضب إلى علامة تجارية، والمطلب الاجتماعي إلى منتج محدود الإصدار. يصرخ في الشارع كما يصرخ في الستوري، ولا يرفع لافتة بل يرتديها على شكل تيشورت. ربما هذا هو التقدم حقا، أن يصبح الحق في التعبير مشروطا بوسائل الدفع، وأن يتحول شعار العدالة الاجتماعية إلى تصميم يشحن إلى باب منزلك خلال 48 ساعة ، ويسمح لك بأن تدفع عند التسليم. يبدو أن هذا الجيل لا يبيع صوته… إنه فقط يطبع عليه شعارا، يلبسه، يلتقط صورة سيلفي، ثم يخلعه مساء قبل النوم. ويصبح للحرية مقاس M أو L، والثورة تطوى في خزانة الملابس بعد الاستعمال.
يا لروعة هذا الجيل الذي جعل من البراغماتية مذهبا ومن التعبير عن الذات مشروعا تجاريا مربحا! بحكم انتمائي إلى جيل الطفرة السكانية (Baby Boomers) يبدو أني كنت ساذجا حين ظننت أن الحرية تنتزع… بينما هي اليوم تباع بـ 167 درهما فقط، وربما أقل في موسم التخفيضات.
تعليقات ( 0 )