السجل الوطني الموحد القطاع الثالث بإيطاليا” Runts” ومدى استجابة الجمعيات المغربية…
متابعة /ذ. أحمد براو
يعتبر القطاع الثالث بإيطاليا أحد أعرق قطاعات المجتمع المدني بجانب الأحزاب والنقابات وغيرها.. التي تحظى بشعبية كبيرة في المجتمع الإيطالي، وتؤكد ثقافة الإيطاليين المبنية على التضامن وعلى شكل الدولة الإيطالية الإجتماعية “Stato sociale” التي تشكلت بعد إقرار الدستور نهاية حقبة الفاشية، وينظم هذا القطاع جميع أشكال التكافل والعمل الخيري والتطوعي.
وهو عبارة عن نظام اجتماعي واقتصادي يعمل جنبا إلى جنب مع المؤسسات العامة والسوق الإقتصادية ويتفاعل مع كليهما لمصلحة جميع فئات الشعب خاصة من يعاني منها من وضع اجتماعي هش، كذوي الإحتياجات الخاصة والمرضى والمسنّين وأنشطة الأطفال، ومساعدة المهاجرين وضحايا العنف والتهميش، وحماية البيئة والتنشيط الثقافي.
ويتشكل من مجموعة من الكيانات الخاصة التي تعمل في هذه المجالات المختلفة وتدير خدمات الرعاية التابعة للمؤسسات الرسمية كالبلديات والأقاليم والجهات، وتكون حاضرة ومشارِكة بفعالية في حماية الصالح العام والدفاع عن الحقوق المنتهَكة.
يذكر أن هذا القطاع الثالث كان موجودا منذ عقود عدة بحكم الواقع المَعاش وبمسميات مختلفة تخضع لقوانين الجمعيات، ولكن تم الإعتراف به قانونيا كقطاع مستقل في إيطاليا فقط في عام 2016 مع إطلاق حزمة الإصلاح الذي ينظمه ويرسم حدوده وقواعد عمله. وبذلك أصبح من الضروري لكي تكونَ جزءا من القطاع الثالث عليك الإستحابة لشروط محددة أهمها أن الإطار الذي يعمل به الكيان أو الجمعية التي ترغب في إدراجها بالقطاع أن تكون غير ربحية. وأن تكون الأنشطة المزمع القيام بها داخل الكيان محددة بالقانون المنظم وتعمل للصالح العام، وذات أغراض مدنية تضامنية اجتماعية وأن تكون مسجلة في السجل الوطني الموحد للقطاع الخاص.
– تعريف قانونَيْ: التفويض رقم 106 لعام 2016 ورمز قانون القطاع الثالث رقم 117 لعام 2017
قانون التفويض رقم 106 لعام 2016 يرمز إلى أن القطاع الثالث يعني مجموعة من الكيانات الخاصة التي تمّ إنشاؤه لأغراض لاربحية ذات صبغة تضامنية ومنفعة اجتماعية والتي تعمل – تنفيذا لمبدأ التبعية – وفقا للنظم الأساسية والقوانين التأسيسية ذات الصلة على ترويج وتنفيذ أنشطة ذات مصلحة عامة من خلال مختلف أشكال العمل التطوعي والعمل الحر أو التبادل التجاري أو إنتاج السلع والخدمات و مبادلتها.
أما المرسوم التشريعي لمشروع القانون الذي صادق عليه البرلمان الإيطالي والذي يعرف ب “رمز القطاع الثالث” بالإيطالية “Codice del terzo settore” والذي يشار إليه بقانون 117 لسنة 2017 والمرتبط بالسجل الوطني الموحد للقطاع الثالث فهو يشير إلى ” أن منظمات القطاع الثالث هي المنظمات التطوعية وجمعيات الترويج الإجتماعي والهيئات الخيرية والمؤسسات الإجتماعية بما فيها التعاونيات وشبكات الجمعيات وشركات الإعانة المتبادلة والمؤسسات المعترف بها أو غير المعترف بها والكيانات الخاصة غير هادفة للربح.. ذات صبغة مدنية وثقافة تضامنية وأغراض المنفعة الإجتماعية العامة من خلال القيام، بشكل حصري بواحد أو أكثر من نشاط لمصلحة عامة بشكل تطوعي أو توفير أموال وجمع تبرعات أو ترويج السلع والخدمات مجانا أو عن طريق مبدأ التبادلية، أو إنتاج السلع والخدمات وتبادلها، وأن تكون مسجلة في السجل الوطني الموحد للقطاع الثالث.
لا يعني النشاط غير الهادف للربح أنه ليست هناك أرباح، بل يعني بكل بساطة إعادة استثمار تلك الأرباح لتمويل الأنشطة ودفع الأجور للعاملين أو تعويضهم، دون إعادة توزيع الفوائد بين أعضاء الجمعية أو المؤسسة أو الأعضاء المؤسسين أو الموظفين الذين هم منخرطون ويشتغلون بشكل تطوعي، لذلك فإن حتى المؤسسات الإجتماعية والتعاونيات وحتى الجمعيات التي تمارس أنشطة تجارية بسيطة هي أيضا جزء من كيانات القطاع الثالث، لأنه محرك اقتصادي مهم للبلاد وليس فقط التزاما اجتماعيا منظما، وبالتالي فهو مستوحى من الأغراض المدنية، والتضامنية والمنفعة الإجتماعية العامة والمشتركة.
وتختلف طرق تأسيس كيان تابع للقطاع الثالث “ETS” “إِنتي ديل تيرسو سيطوري” وفقا للخصائص المدنية أي إذا كان للكيان الشكل القانوني لمنظمة تطوعية Odv أو Aps جمعية الترويج الإجتماعي أو مؤسسة أو شركة تجارية أو تعاونية، وطبقا لوجود أو عدم الإعتراف بالشخصية القانونية الخاصة هذا الإعتراف يكون إلزامي فقط للمؤسسات والشركات والتعاونيات.
على مستوى آخر يتم التأسيس من خلال التوقيع على القانون التأسيسي والنظام الأساسي الداخلي وانتخاب الهياكل الإعتبارية الأولى وتقديم طلب من وكالة الإيرادات “Agenzia delle entrate” بعد ذلك يقدم طلب التسجيل في السجل الوطني الموحد للقطاع الثالث Runts بالجهة المختصة.
في ظل وجود الشروط المحددة الموجبة للتسجيل يمكن النظر في طلب التأهيل كمنظمة تطوعية أو كيان خيري أو جمعية ترويج أو شركة وتعاونية تجارية.
– الجمعيات المغربية وعلاقتها بالقطاع الثالث
تعتبر الجمعيات المغربية أو تلك التي يديرها ويسيرها مغاربة أحد الكيانات المهمة التي تشتغل في هذا القطاع وخصوصا تلك التي تسيّر المراكز الإسلامية والمساجد ومنظمات المجتمع المدني الثقافية والإجتماعية والرياضية والبيئية، وبما أن الجالية المغرببة تعدّ أحد أكبر الجاليات في إيطاليا التي يراوح عددها النصف مليون تقريبا كان لزاما على الفاعلين الجمعويين المغاربة ونشطاء المجتمع المغربي أن ينسجموا مع هذه الثقافة التضامنية الإيطالية، وبما أن المغاربة متكافلون بطبعهم وتقاليدهم ودينهم فقد انخرط العديد منهم في هذا القطاع وبصفات متعددة يغلب عليها للأسف العشوائية وعدم الإستجابة للقوانين المنظمة فتاهت الجالية ووجدت نفسها في مشاكل تنظيمية وإدارية وقانونية تبعث على الأسى والأسف لضعف الأطر من جهة ولتوجّس واتهامات البعض ممن يريدون الإنخراط في العم التطوعي لجميع الفاعلين الجمعويين بالفساد والسرقة والإستغلال وسوء التدبير، هذا غيض من فيض دفع العديد من المغاربة أعضاء الجالية المغربية للإبتعاد من هذا العمل الجليل والشريف الذي يرفع من معدن الإنسان المغربي المتدين بطبعه الفاعل للخير والمحب للإصلاح والمنفعة العامة ولا أحد يزايد عن تألق المغاربة عامة في هذا الباب، نتمتى بعد هذه الفترة الحرجة التي مرت منها الجالية المغربية بسبب الجائحة أن تنطلق وبسرعة من أحل إصلاح الجمعيات التي تسيرها لكي تستجيب لدفاتر التحملات وتعمل بمل إخلاص وتفاني وحرفية حتى تقدّم التقارير الأدبية والمالية وتسجيل المحاضر وتجديد المكاتب لكي تتمكن من التسجيل في هذا السجل الوطني الموحد لأن الوقت بدأ ينفد وأن الأجل الأخير هو شهر مارس القادم خصوصا أنه تم تمديده لأكثر من مرة.
*أستاذ تربوي باحث وفاعل جمعوي رئيس فوروم مغاربة كالابريا
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق