“أسنيم”.. قطار يحمل الأمل والحياة في صحراء موريتانيا
قطار”أسنيم”.. سفينة متحركة في عمق الصحراء، تحمل الأمل والحياة لسكان قرى متناثرة نبتت على جانبي سكته البالغ طولها أكثر من 700 كيلومتر.
وقطار شركة مناجم موريتانيا المعروفة بـ”أسنيم”.. لا ينقل فقط خامات الحديد من “أزويرات”، لميناء مدينة “نواذيبو” العاصمة الاقتصادية للبلاد، بل أصبحت له وظيفة أهم بكثير من مهمته الرئيسية.
ويربط القطار بين ميناء مدينة “نواذيبو” العاصمة الاقتصادية للبلاد الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، ومنجم الحديد بمدينة “أزويرْات”، القابعة في عمق الصحراء، ومهمته الأساسية نقل المعادن ما بين المنجم والميناء.
مع مرور الزمن، أصبحت لهذا العملاق الفولاذي المتحرك الذي يجر 250 قاطرة، وظيفة أهم بكثير من مهمته الرئيسية، حيث ينقل خزانات كبيرة بها مياه الشرب، والتي صارت بمثابة أمل رئيسي للحياة، لعديد القرى والتجمعات السكنية بالمنطقة.
لم تكن العديد من تلك القرى موجودة أصلا قبل إنشاء هذا القطار وبدء مهمته، بل كان الأخير سببا في جذب العديد من بدو الصحراء إلى التجمع على جنبات سكته الحديد بعد أن أصبح مصدرا لجلب المؤن ومتطلبات الحياة اليومية، في ظل الظروف القاسية التي تعرفها المنطقة.
رحلة عبور القطار لتلك الصحاري هي موضع حكايات إنسانية كثيرة، لدخول هذه الرحلة في صلب تفاصيل الحياة البسيطة للقرويين، والأبعاد الاجتماعية، والإنسانية لمهمة هذا القطار.
شريان حياة
وكما كان منجم الحديد مورد رئيسيا لخزينة الدولة الموريتانية، كان قطار “أسنيم” شريان حياة لأولئك القرويين الذين ألقوا عصى الترحال في أكثر مناطق البلاد صعوبة مناخية، ووعورة مسالكها الرملية، وندرة لأسباب العيش، في متاهات الصحراء.
طريق “الحديد” اليومية البالغة طولها مئات الكلمات تجلب إلى أولئك السكان مؤنهم التي يحتاجونها من بضائع، والأهم كونه مصدرا أيضا للماء مصدر الحياة وأغلى سلعة في الصحراء، وأصبح الخيط الناظم للأنشطة الحياتية في المنطقة.
فالقطار أيضا وسيلة للنقل بالمجان في المنطقة، لكن الصعود على العربات يكون مناسبة لسباق طالبي الخدمة مع دقائق معدودة هي فترة التوقف القصيرة للقطار في المحطة، ليكون على الشخص الاستعداد المسبق لدخول هذه المعركة، حتى لا يفوته القطار.
ولأن البعض يستخدم القطار لنقل البضائع وحتى المواشي بين أسواق المدن والقرى، بالمجان كذلك، تتضاعف مهمة تلك الاستعدادات، وتنسج القصص عن الحظ والبطولات، وتلعب الخبرة وطول التجربة دورها في هذا المجال.
رحلة قطار الحديد الموريتاني تمثل في جانب منها فرصة نادرة للسياحة والتوغل في عمق صحراء تمتد مد البصر، والوقوف على الخصائص الجمالية للصحاري، ومناسبة للتأمل في قدرة إنسان هذه الأرض على التكيف مع الطبيعة القاسية للمناخ.
النظر إلى أهمية رحلة القطاع من زاوية السياحة والاطلاع على معالم هذه المناطق في ظروف مناسبة كان له جانبا من الاهتمام لدى شركة المناجم بتخصيص عربته المسماة محليا “أدويره” للركاب السياح بتذكرة مدفوعة لكنها زهيدة جدا مع ذلك.
سفينة الصحراء
منذ تشغيله في عام 1963، يقطع قطار منجم الحديد الموريتاني 704 كيلومترات يوميا من ميناء “نواذيبو” إلى مناجم الحديد في “ازويرات” شمال شرقي البلاد، في رحلة تستغرق نحو 20 ساعة، تتخللها عدد من محطات التوقف.
ويضم القطار، الذي يبلغ طوله كيلومترين، 3 أو 4 قاطرات، وعربة ركاب، وما يتراوح بين 200 و 210 عربة بضائع، قد تحمل كل منها، في رحلة القطار الغربية إلى نواذيبو، ما يصل إلى 84 طنا من خام الحديد.
وينقل القطار الركاب أيضا من المناطق النائية في قلب الصحراء وإليها، إذ يختصر ما يصل إلى 500 كيلومتر على سكان هذه المناطق الذين يسافرون في المعتاد عبر طريق طويل جنوبا إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.
اسنيم موريتانيا
والشركة الوطنية للصناعة والمناجم “أسنيم” المالكة للقطار هي شركة موريتانية متخصّصة في استخراج وتصدير الحديد تمّ تأسيسها في ثلاثينيات القرن العشرين تحت مسمّى “ميفرما”، أيام الاستعمار الفرنسي قبل تأميمها من طرف موريتانيا سنة 1973، وتتحول لاسمها الحالي.
ويعتبر خام الحديد أهم ثروات البلاد أي يمثل نحو 40% من مواردها المالية، عبر تصديره إلى الأسواق الأوروبية والصينية والآسيوية الأخرى.
كما تلعب شركة “أسنيم” دورا هاما في حياة سكان التجمعات الحضرية الواقعة في شمال البلاد خاصة “أزويرات” و”نواذيبو“.
وتظهر هذه الأهمية بارزة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فالشركة توظف ما يناهز 4 آلاف عامل بشكل دائم إلى جانب عدد آخر من العمال الموسميين .
كما تتمتع الشركة بحضور اقتصادي واجتماعي قوي في مدن الشمال متمثلا في كونها تتوفر على حيين أحدهما في أزويرات والآخر في أنواذيبو يضمان مجتمعين 3600 مساكن لعمال الشركة، بالإضافة إلى كونها توفر خدمات اجتماعية شبه مجانية ليس لعمالها فحسب بل لسكان مدينة “أزويرات” حيث مركز المنجم.
وتملك هذه الشركة عيادتين مجتمعتين تضم كل واحدة منهما 47 سريرا طبيا وغرف عمليات حديثة إلى جانب 4 مدارس و4 مساجد وفندقين ونوادي رياضية ودور سينما وبعض التجهيزات الرياضية .
كما تسير الشركة عملية التموين بالماء والكهرباء في تلك المدن حيث تملك محطتان كهربائيتان تنتجان ما يصل إلى 220 مليون كيلو وات/ساعة سنويا وهو ما يسد الحاجات الصناعية والمنزلية في مدينتي المنجم والتصدير.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق