احمد الشهبوني: يوميات مناضل مغربي بتولوز بفرنسا.
متابعة أفندي إبراهيم مراكش
شكلت مدينة تولوز بفرنسا في السبعينات مركزا طلابيا كبيرا ، ففيها تجد جميع أصناف المعاهد من كليات العلوم والحقوق والآداب والطب والهندسة المعمارية والعديد من مدارس المهندسين المختصة في الطيران والماء والأشغال العمومية الخ…وتعد تولوز ثاني أقوى مركز طلابي للمغاربة بعد باريس سواء من حيث العدد او تواجد جل الحركات السياسية المغربية ونشاط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. إن عدد الطلبة المغاربة يقدر بالمئات والسبب في هذا التواجد الهام هو أنه في ذلك الوقت كان اي طالب مغربي حاصل على شهادة البكالوريا ويتوفر على تسجيل في احدي الجامعات بفرنسا او بلجيكا بإمكانه الاستفادة من المنحة المغربية. وللحقيقة كانت المنحة محترمة وكافية لتغطية مصاريف الدراسة خصوصا وان الدراسة في الجامعة الفر نسية بالمجان.
في تولوز كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قويا ويضم جميع الفصائل الطلابية ؛ طلبة الاتحاد الاشتراكي، وطلبة تيار اليسار الرادكالي( إلى الامام وحركة 23 مارس) وبضعة طلبة من التقدم والاشتراكية اما ما يسمى “بالتيار الاسلامي” فلا وجود له انذاك. كان الصراع على أشده حول قضية الصحراء المغربية بين طلبة تيار إلى الأمام من جهة، الذين كانوا يساندون اطروحة تقرير المصير بالنسبة للصحراويين بدعوى ان اي تحالف مع نظام الحسن الثاني في قضية الصحراء سيخرج هذا الأخير من عزلته وسيقويه خصوصا بعد الضربة التي تلقاها من الانقلابيين العسكريين في سنة 1971 و سنة 1972. ومن جهة ثانية باقي الفصائل الطلابية التي تعتبر قضية الصحراء قضية وحدة وطن وان إجماع المغاربة سواء حكام ومعارضين كفيل بالتعجيل باسترجاعها وهذا لا يمنع القوى الديمقراطية في الاستمرار في نضالها ضد النظام من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
رغم هذا الخلاف حول الصحراء فكل التيارات الطلابية المغربية تناضل من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في المغرب وتنظم مهرجانات لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب كما تحيي كل سنة ذكرى اختطاف القائد الوطني المهدي بن بركة وتحشد دعم مختلف القوى الديمقراطية في فرنسا سواءا الفرنسية والاجنبية لمطالبة الحكام المغاربة بالكشف عن الحقيقة حول هذه الجريمة الشنعاء.
حصل ان دعا طلبة تيار إلى الأمام إلى القيام باضراب عن الطعام تضامنا مع المعتقلين اليساريين الذين كانوا يخوضون اضرابا عن الطعام من أجل محاكمتهم او إطلاق سراحهم. اتصل احمد بأحد مسؤولي تنظيم إلى الأمام وعبر له عن مساندة تيار 23 مارس لمعركة المعتقلين خصوصا وان ضمنهم مجموعة من أعضاء 23 مارس. في الحوار الذي دار بين المسؤول عن تنظيم إلى الأمام واحمد ، عبر هذا الأخير عن تفهمه لقرار الرفاق المعتقلين بخوض الإضراب عن الطعام لأنهم سدت أمامهم كل الأبواب اما نحن فبامكاننا ان نتحرك ونعبا الرأي العام الفرنسي ونوزع مناشير على أوسع نطاق لفضح قمع النظام وهكذا سيكون تاثيرنا اكبر من القيام باضراب عن الطعام. أمام تعنث رفاق إلى الأمام وتشبتهم بالاضراب اضطر احمد ورفاقه في 23 مارس ان يشاركوا عن مضض في الإضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام حتى لا يتهمهم رفاق إلى الأمام بالتخلي عن المعتقلين ومهادنة النظام. وبالفعل تم اعتصام الطلبة المغاربة اليساريين في الحي الجامعي وخاضوا اضرابا عن الطعام حضره بعض المناضلين اليساريين ومراسلي بعض الصحف المحلية.
بعد مشاركة احمد في هذا الاعتصام السياسي، سيشارك مرة أخرى في اعتصام اخر بتولوز، لكن هذا الاعتصام الثاني ذو طبيعة نقابية صرفة.
السبب المباشر وراء هذا الاعتصام هو أزمة السكن التي شهدتها مدينة تولوز في بداية الثمانينات خصوصا أمام تدفق الطلبة المغاربة والأجانب ومحدودية غرف الاحياء الجامعية بالمدينة. أمام هذا الوضع قام الطلبة الديمقراطيين (تيار 23 مارس) بتعبئة الطلاب المغاربة وقاموا بتوزيع مناشير كان عنوان أحدها ” الطلبة المغاربة ينامون تحت القناطر- les étudiants marocains logent sous les ponts)
تمت تعبئة المغاربة وقاموا باعتصام أمام مكتب مدير الأحياء الجامعية. مباشرة بعد الاعتصام، تم تكليف أحمد بتقديم مطالب الطلاب للسيد المدير الذي استقبله في مكتبه. وقبل ان يطرح لداحمد على المدير مطالب الطلبة خاطبه هذا الأخير بما يلي: ” ان ماادعيتموه من ان الطلبة المغاربة الجدد ينامون تحت القناطر مجانب للحقيقة، فأنا عشت في المغرب أزيد من عشرة سنوات واعرف المغاربة جيدا ولا يستحيل أن تتركوا إخوانكم الطلبة يبيتون في العراء”. أجاب أحمد بأن ما جاء في البيان هو فقط لاثارة اهتمام المسؤولين وا لتعبير عن ان الامر يستدعي تدخلا عاجلا، واضاف بالفعل لقد اضطر عدد من الطلبة المغاربة لاستقبال أربعة طلبة جدد في غرفته لكن هذا التكديس غير مساعد للدراسة. وفي الاخير تعهد السيد المدير بأنه سينظر في الأمر وان سيبحث في إمكانية تأجير بعض الدور المجاورة للكليات. ورغم ان هذه الذكريات مرت عليها أزيد من أربعين سنة فلازال ممثلة في دهن أحمد كما لازال يتذكر ان من بين المضربين والمعتمرين، حبيب و عبد الواحد ونورة…
هكذا شارك احمد في اعتصامين؛ أحدهما سياسي والثاني نقابي.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق