مع الحدث
تحرير ✍️: ذ. لحبيب مسكر
مع حلول العطلة الصيفية، وإغلاق المدارس لأبوابها، تتجدد الأسئلة الكبرى حول واقع التعليم في المغرب، وتُفتح ملفات بقيت مؤجلة طوال السنة الدراسية. في الوقت الذي ينعم فيه التلاميذ ببعض الراحة، يُستأنف النقاش بين الأسر، والفاعلين التربويين، وصناع القرار، حول مدى قدرة المدرسة المغربية على مواكبة التحولات السريعة التي يعرفها العالم، خاصة في ظل الطفرة التكنولوجية، وصعود الذكاء الاصطناعي الذي أصبح اليوم جزءاً من المعارف الأساسية التي يجب إدماجها منذ السنوات الدراسية الأولى.
فإلى متى سيبقى التعليم المغربي حبيس الإصلاحات المتعثرة؟ وكيف يمكن للمنظومة التربوية أن تنتقل من مرحلة التشخيص إلى لحظة التحول الحقيقي الذي يواكب رهان التحديث ورقمنة المعرفة؟
1. اختلالات هيكلية تُعيق مواكبة العصر الرقمي
رغم مرور عقود من الإصلاحات، ما زالت المدرسة المغربية ترزح تحت وطأة تحديات مزمنة، تجعلها عاجزة عن مسايرة روح العصر:
ضعف الجودة التعليمية: لا تزال بلادنا تحتل مراكز متأخرة في التقارير الدولية، أبرزها نتائج برنامج “بيزا”، حيث جاء المغرب في المرتبة 75 من أصل 79 دولة، ما يعكس ضعف الكفايات الأساسية لدى المتعلمين.
تفاوتات ترابية صارخة: لا تزال المناطق القروية تعاني من نقص في البنيات الرقمية، وغياب المختبرات والتجهيزات التكنولوجية الضرورية، مقابل تركيز الموارد في المراكز الحضرية.
مناهج متجاوزة: تفتقر المقررات الدراسية إلى إدماج المهارات الرقمية والبرمجة والذكاء الاصطناعي، التي أصبحت من أساسيات التعلم عالميًا، حيث لا يزال الحفظ والاستظهار يهيمنان على أساليب التدريس.
الهدر المدرسي: آلاف الأطفال ينقطعون عن الدراسة سنويًا، في غياب دعم اجتماعي وبيئة مدرسية محفزة، ما يضيع على البلاد طاقات بشرية كان يمكن أن تُستثمر في الاقتصاد الرقمي الناشئ.
2. إصلاحات محدودة الأثر في زمن التحول التكنولوجي
رغم الخطط الوطنية الطموحة، من “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” إلى “الرؤية الاستراتيجية 2015–2030″، لم تُحقق هذه المشاريع القفزة المنتظرة. ويعود ذلك إلى:
ضعف الحوكمة التربوية: رغم أن قطاع التعليم يستهلك أكثر من ربع الميزانية العمومية (26.3%)، إلا أن النجاعة في تدبير الموارد تبقى دون المستوى، وتُغيب الأولويات الرقمية.
تقلبات السياسات العمومية: غياب الاستمرارية وتناوب الحكومات على تبني رؤى متناقضة، يُنتج إصلاحات مُجزأة لا تصمد أمام التحديات الواقعية.
فضائح تُقوّض الثقة: استمرار قضايا مثل “الاتجار في النقط” و”الشهادات مقابل المال أو الجنس”، يضرب في عمق مصداقية المؤسسة التربوية، ويحول دون انخراط مجتمعي حقيقي في الإصلاح.
تأخر في الرقمنة: في الوقت الذي تُخصص فيه دول متقدمة برامج لإدماج الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية في التعليم الأولي، لا يزال المغرب يراوح مكانه في تعميم اللوحات الرقمية أو تحسين جودة الإنترنت داخل الفصول.
3. من أجل تعليم يستشرف المستقبل الرقمي
لكي يتمكن المغرب من بناء مدرسة قادرة على تكوين أجيال قادرة على الاندماج في الاقتصاد الجديد، لابد من:
تجديد المناهج التربوية: إدراج البرمجة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتيك، والأمن السيبراني، ضمن المقررات، وتدريسها تدريجيًا ابتداءً من المرحلة الابتدائية.
تكوين المدرسين رقميًا: اعتماد برامج تكوين مستمر في التعليم الرقمي، وتزويد الأساتذة بالكفايات التكنولوجية الحديثة، مع تحفيزهم ماديًا ومعنويًا.
توفير بنية تحتية ذكية: تجهيز المؤسسات التعليمية بخوادم، وألواح ذكية، وربط مستمر بالأنترنت، مع تمكين المدارس القروية من الوصول المتكافئ للتكنولوجيا.
تعزيز الشراكات الدولية: الانفتاح على تجارب الدول الرائدة في التعليم التكنولوجي، وعقد شراكات مع شركات رائدة في الذكاء الاصطناعي لتطوير المحتوى التعليمي.
تأهيل الأطفال لاقتصاد المعرفة: لم يعد التلميذ بحاجة إلى الحفظ فقط، بل إلى امتلاك مهارات التفكير التحليلي، والتعلم الذاتي، والقدرة على التعامل مع الخوارزميات والبيانات الضخمة.
خاتمة: مدرسة المستقبل تبدأ اليوم
العطلة الصيفية ليست وقتًا لتأجيل النقاش، بل فرصة لإعادة التفكير الجاد في مآل المدرسة المغربية، في ظل عالم يتغير بسرعة مذهلة بفعل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. إذا لم تتحرك السياسات التعليمية في هذا الاتجاه، فإننا نخاطر بتخريج أجيال من “الأميين الرقميين”، في عالم يقيس الكفاءة بمدى القدرة على الابتكار، لا على عدد الشواهد.
فهل نملك الشجاعة والجرأة لنبدأ التحول الآن؟
تعليقات ( 0 )