الحبّ… غير الزَّواج!…
لميا أ. و. الدويهي.لبنان
الحبّ… غير الزَّواج!…
مَقولة سمعتُها مرارًا وتكرارًا، من أشخاصٍ مختلفين ومتفاوتين بالثقافة والأعمار والبيئة…
بادئ ذي بدء، لم أفهمْها وكنتُ دومًا أتساءل حول الموضوع وما المغزى من الفكرة؟…
إذ إن لم يكنِ الحبُّ موجودًا، فكيف سيتحمَّلُ أحدنا الآخر؟ أو كيف سيُقدِّمَ تضحيةً ما؟…
أو كيف سيستطيع أن يَقضيَ العمرَ مع الآخر، فقط لأنَّه ينسجمُ مع فكرٍ مُعيَّن أو طبقةٍ أو مبدأ أو بيئة أو مُحيط أو مجتمع أو لستُ أدري بعد أيَّ تفصيل أستطيعُ أن أُضيف…
ربَّما أسأتُ الفهم ولم ألتقط من الحكمةِ قدْرًا أو، لعلَّهم هم مَن لم يستطيعوا أن ينقلوا واقع وعمق الفكر كي أُدركه وبالتالي يُدركُه أيضًا غَيري…
لا، ليس الحبُّ غيرَ الزَّواج! بل لا يستطيعُ أن يَقومَ الزواج بدونِ حُب!… ولكن ليسَ الموضوعُ هنا، وإنَّما: أيُّ حُبٍّ هو هذا الذي وجبَ أن يقومَ عليهِ الزَّواج ليثبُتَ ويدوم؟…
وأعتقد بأنَّ أصحابَ هذه المَقولة كانوا يقصدون الطَّيشَ والانفعال والانجذاب والحماس لشخصٍ ولجمالهِ وربَّما لمالِهِ أو لتحدٍّ في ذاتِه، ما يجعله ينسى الأُسُسَ والأساس الذي يُكوِّنُ الزواج ويدفع إلى الارتباط والذي يقومُ أوَّلاً على نُضوجِ الإنسانِ في العُمقِ والفكر والرُّوحِ والمعنى والرؤيا لفَهمِ زوايا الحياة وقبولها بعمقٍ والاستعداد من بعد هذا الارتباط لانتظار ثمرة هذا الحبّ، من خلالِ المُشاركةِ بقمَّة وذُروةِ الإنسانيَّة ألا وهو مُشاركةِ الخالقِ بالخلق…
ما يُكوِّنُه الإنسان من صورٍ وأفكارٍ وتطلُّعاتٍ، تسقطُ أمامَ واقعٍ غالبًا ما لا يفهمهُ، وأمام شخصٍ قد لا يُشبِهُ تلكَ الصور المُكدَّسة في رأسِهِ بشيء، وكأنَّهُ كان يُحصِّنُ ذاتَه من خلالِ هذه الصُّور، خوفًا من مواجهةٍ ما، أو ربَّما خوفًا ممَّا لا يعرفه في وعيهِ، عن عُمقهِ المُتوارٍ في داخله؟…
لعلَّ هذا الآخر وما يحملهُ يعكسُ لنا شيئًا مَّما في داخلنا، فنرى أنفسنا مُنساقين إليه وإلى ما لا أدري، في العلاقة التي قد تنتجُ عنهُ… ولكن، هل الوعي والنضوجُ وفهم الذات حاضرة لاستدراك المشاعر وتوجيهها إلى المكان الصائب لتخدمَ العلاقة، إن وُجدَت؟…
أنا أؤمن بالحبِّ من النظرةِ الأولى، إذ إنَّني أراه على هذه الصُّورة: مُشابهًا لنثرِ البذار في الحقل، فمتى دخل الزارع ليزرع وتكونُ الأرضُ جاهزة، لن يفكِّرَ كيف سيرمي البذار، إنَّهُ فقط ينثرها، ولكنَّهُ لا يدعُها، بل يعود ليعتنيَ بها ويرويَها علَّها تكونُ قد وقعت في أرضٍ صالحة لتنموَ وتُثمرَ فتَغُلَّ له من فَيضِها…
والحبُّ هكذا، يقعُ من النَّظرةِ الأولى ولكنَّهُ يحتاجُ إلى عنايةٍ دائمة، ليثبُتَ وينموَ بدورِهِ، فيصبحَ جاهزًا ليتحوَّلَ إلى مَقرٍّ لحَبيبَين، فوالدَين، فعائلة أساسُها الحبّ الذي يقومُ على ما قد منحهُ الخالقُ لخلقِهِ؛ وشتَّان ما بين رغباتٍ ونزواتٍ ينجرفُ إليها أحيانًا الأزواج فيقعون في مغالطاتٍ ومُفارقاتٍ لا تُشبهُ الصُّورَ التي رسموها في مُخيِّلاتِهم الغير ناضجة، وما بينَ الحبّ الذي يرتقي بالإنسان عبرَ كلِّ المراحل إلى نموٍّ وقبولٍ وانسجام وتَرقُّبٍ لقطفِ ثمارِ سعادةٍ بلغَها، لأنَّه صبرَ وثبتَ وناضل وتحاورَ وتفاهم وتواجه مع ذاته ومع الآخر لفهم مغالطات وآراء وتبيان ما يجمع ليبقى الحبُّ مهدَ الزواج، عرشه وديَمومته…
لميا أ. و. الدويهي
٧/۹ /۲٠۲۲
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق