# عابدين الرزكي
#طانطان
في مشهد يعكس استمرار العبث الإداري واحتقار مبادئ الديموقراطية وتكافؤ الفرص، قررت وزارة الشباب والثقافة والتواصل تنظيم انتخابات خاصة بالمجلس الإداري في مسرح محمد الخامس بالرباط. اختيار يبدو في الوهلة الأولى عاديا، لكنه في عمقه يحمل رسائل إقصاء واضحة المعالم وخرقا سافرا لمبدأ العدالة المجالية.
هل من المنطقي في مغرب 2025، الذي يرفع شعارات الجهوية الموسعة، والتنمية العادلة، وتمكين الفاعلين الثقافيين من مختلف الأقاليم، أن يجرى استحقاق وطني بهذا الحجم في مركز الرباط، وكأن المغرب ينحصر بين أسوار العاصمة؟
حين يطلب من فنان من العيون أو ممثل من وجدة أو موسيقي من الحسيمة أن يقطع مئات الكيلومترات، بتكاليف باهظة، وفي ظروف غالبا ما تكون غير إنسانية، فقط ليشارك في انتخاب مجلس من المفترض أن يمثله ويدافع عن حقوقه، فإننا لسنا أمام استحقاق ديموقراطي، بل أمام مهزلة انتخابية مغلفة بالشرعية الشكلية.الرباط ليست مركز العالم.
اختيار الرباط دون غيرها، وبالضبط مسرح محمد الخامس، ليس اختيارا تقنيا بريئا، بل قرار سياسي/إداري منحاز يمنح امتيازات واضحة للمرشحين والناخبين القاطنين بالعاصمة أو ضواحيها، مقابل تهميش باقي الجهات. إنها خريطة إقصاء مرسومة بعناية، تؤدي إلى تركيز السلطة التمثيلية والقرار بيد قلة “محظوظة” جغرافيا، بينما يتم دفن التنوع المجالي الذي يفترض أن يكون مصدر غنى للمكتب وليس مصدر خوف.
أين العدالة المجالية؟
يتغنى الخطاب الرسمي في المغرب بالعدالة المجالية، وبالإنصاف الترابي، وبتمكين الفاعلين المحليين من اتخاذ القرار والمشاركة الفعالة. لكن، ها هي وزارةالشباب والثقافةوالتواصل تجهز على هذه المبادئ عبر تنظيم انتخابات لا تراعي أدنى شروط الإنصاف الترابي. هل من المعقول أن نطالب فنانا من الجنوب الشرقي أو الشمال البعيد بالحضور الجسدي في الرباط دون أي آلية تعويض أو دعم؟ ألم يكن من الممكن تنظيم الانتخابات بشكل جهوي أو رقمي لضمان مشاركة موسعة وعادلة؟
نعم، ما سيحدث في مسرح محمد الخامس ليس انتخابات، بل عملية انتقاء مسبق لفئة معينة، وتصفية ممنهجة لكل صوت يأتي من خارج المركز. إنها محاولة لإعادة إنتاج نفس النخبة التي عمرت طويلا في دواليب القرار الثقافي، وتصر على الاحتفاظ بمواقعها بأي ثمن، حتى على حساب المبادئ الديموقراطية والحقوق الأساسية للفنانين والمبدعين.
وعليه فاننا نطالبكم أن توقفوا هذه المهزلة!
فنحن أمام لحظة حرجة في مسار المكتب المغربي لحقوق المؤلف. وإذا لم يتم تدارك الأمر عاجلا، وتعديل طريقة تنظيم هذه الانتخابات بما يضمن المشاركة العادلة والمنصفة لكل الجهات، فإن المؤسسة ستفقد ما تبقى لها من مصداقية، وسينضاف اسمها إلى لائحة المؤسسات التي خذلت المبدعين بدل أن تدافع عنهم.
الرباط ليست وحدها المغرب، ومسرح محمد الخامس ليس مركز الكون.
الشرعية لا تبنى بالإقصاء، بل بالعدالة.
تعليقات ( 0 )