العنف المؤسساتي... القيود الخفية التي تسحق الروح

العنف المؤسساتي… القيود الخفية التي تسحق الروح

هند بومديان

العنف المؤسساتي:
القيود الخفية التي تسحق الروح

 

العنف المؤسساتي هو ذلك القيد غير المرئي الذي يخنق الموظفين دون أن يترك كدمات ظاهرة، لكنه يترك أثرًا عميقًا في النفس. قد يكون في شكل استغلال وظيفي، حيث يُطلب من الموظف أداء مهام تفوق طاقته دون تعويض عادل، أو في صورة إدارة قمعية تفرض سلطتها بأسلوب يسحق الإبداع والحافز. أحيانًا يكون التنمر الوظيفي أكثر خبثًا، حيث يتم تهميش الفرد أو التقليل من شأنه بطريقة ممنهجة، تجعله يشعر بعدم الأهمية داخل المؤسسة.

عدم الأمان الوظيفي أحد أشكال هذا العنف، حين يصبح التهديد المستمر بالفصل أو التهميش سيفًا مسلطًا على رقاب الموظفين، مما يدفعهم للبقاء في حالة توتر دائم. بيئة العمل السامة التي تفتقد للعدالة والاحترام تُنتج مستوى عالٍ من الإجهاد المزمن، يؤدي بدوره إلى تآكل النفسية وتدهور الصحة العقلية والجسدية. مع مرور الوقت، تبدأ الأعراض في الظهور؛ القلق المزمن يصبح رفيقًا دائمًا، والاكتئاب يتسلل شيئًا فشيئًا حتى يفقد الموظف الحافز للعمل أو حتى للحياة. الإرهاق العاطفي والاستنزاف النفسي يصبحان واقعًا لا يمكن إنكاره، وينخفض تقدير الذات إلى مستويات خطيرة، حيث يبدأ الشخص في التشكيك في قيمته وكفاءته.

اضطرابات النوم تصبح جزءًا من المعاناة اليومية، والمشاكل الصحية الناتجة عن التوتر المزمن تبدأ في الظهور، من ارتفاع ضغط الدم إلى آلام العضلات واضطرابات الجهاز الهضمي. العنف المؤسساتي ليس مجرد ممارسات إدارية سيئة، بل هو آلة سحق تعمل بصمت، تحطم الروح قبل الجسد. لذلك، فإن إدراك المشكلة هو الخطوة الأولى لمواجهتها. الموظف يجب أن يحدد حدوده، وألا يسمح لأي سياسة أو شخص بتجاوز حقوقه أو التقليل من قيمته. التوثيق الدقيق لكل المواقف غير العادلة يمكن أن يكون درعًا يحميه، واللجوء إلى الجهات المختصة داخل المؤسسة قد يكون حلاً في بعض الحالات، رغم أن الكثير من الأنظمة لا تزال تغض الطرف عن هذا النوع من العنف.

إذا أصبح الوضع غير محتمل، فإن البحث عن بيئة صحية يكون الحل الأكثر منطقية، فالبقاء في مكان سامٍ ليس تضحية تستحق، بل استنزاف قاتل. الدعم النفسي ضروري في مثل هذه الحالات، سواء من الأصدقاء أو المختصين، لأن التراكمات التي يتركها العنف المؤسساتي قد تمتد لسنوات، حتى بعد الخروج من تلك البيئة السامة. الموظف ليس مجرد رقم في المؤسسة، وليس آلة تعمل بلا مشاعر، بل هو إنسان له كرامة وحقوق، ولا يجب أن يُسمح لأي نظام بأن يسلبه إياها تحت أي ظرف.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)