القادري يبين أهمية البعد الأخلاقي والروحي في حوار الأديان ونشر قيم التعايش والسلام ومواجهة مظاهر العنف والتطرف.
بقلم محمد قرابطي
اعتبر رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري أن الصراعات والتحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر تتطلب منا جميعا بذل أقصى الجهود لابتكار آليات متماشية مع مختلف الأحداث، والتي تبتغي العيش بتناغم في إطار يحكمه الحوار والتعاون المشترك خدمة للجنس الإنساني.
وأبرز أن حوار الأديان يعد سبيلا من سبل طلب العيش المشترك ومظهرا من مظاهر تقدم الوعي في المجتمعات ووسيلة لضمان الأمن والسلم بالعالم، من خلال تسليطه الضوء على أهمية توحيد الجهود الدولية الرامية لمكافحة تفشي خطاب الكراهية في المجتمعات، مضيفا أن خطاب الكراهية يتنافى مع كل المبادئ والتعاليم الدينية، ويتعارض مع القيم الإنسانية، وينتهك حقوق الإنسان، ويقود إلى التطرف والعنف والجريمة المنظمة، ويهدد السلم والأمن الدوليين.
جاء ذلك ضمن مداخلة القادري مساء السبت الثامن عشر من الشهر الجاري في الليلة الرقمية التاسعة بعد المائة، ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
وجدير بالذكر أنه خلال هذه الليلة الرقمية توجهت الطريقة القادرية البودشيشية و شيخها و مشيختها، بالدعاء الخالص إلى العلي القدير أن يحفظ أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ويمن عليه بالشفاء العاجل، ويديم عليه نعمة الصحة والعافية و يحفـــــــظه بما حفظ به السبع المثاني و القرآن العظيم، كما تمت الإشارة الى أن شيخ الطريقة القادرية البودشيشية الدكتور مولاي جمال الدين القادري أمر بأذكار وأدعية خاصة وبقراءة سلك القرآن الكريم تضرعا الى الله عز وجل من أجل شفاء وصحة جلالته وحفظ بلدنا الحبيب، وذلك بمختلف فروع الطريقة داخل المغرب وخارجه.
وبين القادري أن احترام الرأي والاختلاف معضلة وإشكالية زمانية كانت ولا تزال ترافق البشر في مشروع بناء الحضارة الإنسانية، وفسر ذلك بأن الكثير من المشاكل والخلافات والأزمات والحروب كان من أسبابها انعدام الحوار، كاشفا أن انغلاق العقول جعل من الاختلاف خلافاً و تنافرا و تطاحنا.
وفي ذات السياق أورد قول الصحفي الأمريكي الألماني الأصل نيكولاس ريشتر، من “أن الصراع موجود داخل الحضارات وليس بين الحضارات وأن في نظر الشعوب والمجتمعات أيا كان دين الآخر المخالف فهو مصدر للشكوك والريبة والكراهية والعنف”، وأيضا قول الكاتبة الألمانية كلاوديا مينده من أن “الحوار بين الأديان غالبا ما يعاني من حقيقة أنَّ الفقهاء واللاهوتيين والعلماء يبقون منغلقين فيما بينهم”.
وأوضح أن هدف الحوار لم يكن يوما الوصول إلى قمع وإلغاء الاختلافات الثقافية والحضارية ولا إيجاد تسوية بين القيم المختلفة التي تميز الشعوب، وإنما إيجاد قاسم مشترك إنساني أعظم من القيم الخاصة المغلقة حتى نستطيع الوصول للانفتاح على الآخر، وأردف قائلا : “انفتاح يؤسس لبناء حضارات مكتملة بإجماع إنساني”.
ولفت الى أن حوار الديانات يتعدى التعريف بمبادئ كل ديانة على حدة، ليشمل قضايا من قبيل دعم السلام العالمي ونبذ الحروب ….، وأنه يرتكز على مبادئ كالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ونبذ العنف والتعصب والكراهية، واعتماد العقل والبرهنة والإقناع والبحث عن نقط التلاقي والتعايش و المشترك القيمي.
ونوه الى إن الإسلام دين ينبعث عن مفهوم إلهي كوني، وأن الأصل الشرعي في العلاقات الإنسانية هو السلم لا الحرب، والرفق لا العنف، واللين لا الشدة، والرقة لا الغلظة، مستشهدا بأدلة من القرآن الكريم والاحاديث النبوية، منها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً.”، صحيح مسلم ، وقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: “إنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً داعِياً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِياً”.
واستطرد القادري “من وجهة النظر الإسلامية، لا توجد أي مشكلة على الأرض، بسبب الخلاف في الرأي أو العقيدة أو اللون أو العرق أو القومية، بل إن الإسلام يدعو إلى مباراة سلمية وتنافس في إعمار الأرض بالعدل والتخلية بين الإنسان واختياراته العقائدية، بل إن الإسلام يحض على الحوار والتفاهم والتعارف والتعايش السلمي، ذلك أن الدين الحق لا يقوم إلا على الإقناع والاقتناع، ولا يوجد إيمان بحد السيف،” مستدلا بآيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ( ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) النحل125 ، ليجمل كل ذلك بقوله : “إنها ثقافة التعايش السلمي للإسلام في ظل التعددية الدينية، ليتعايش الناس في سلام وأمان”.
ولفت الى أن سبل التعايش صعبة تستوجب تغليب منطق العقل واللين والرحمة في الدين حتى نجد مجالا واسعا للعيش والتعايش بسلام، بعيدا عن كل ثقافة مسيسة ومؤدلجة تهدف إلى تخريب الآخر وإزاحة قيمه ومعتقداته و تضخيم سلبياتها ونواقصها، وإقصاء دينه ورموزه ومقوماته الأخلاقية ووجهة نظره لمعاني هذه الحياة.
وأورد قول عالم اللاهوت هانس كونج الذي يعد أحد كبار المفكرين المسيحيين المؤمنين بحوار الحضارات والأديان، في كتابه (الإسلام رمز الأمل: القيم الأخلاقية المشتركة للأديان) من “ان هناك عناصر مشتركة من القيم والأخلاق تشترك فيها الأديان والمعتقدات والتي تشكل قاعدة صلبة للتلاقي والتعارف بين شعوب العالم ومعتقداته”.
ليخلص القادري بخصوص هذه النقطة الى أنه “لن يكون هناك سلام بين الدول بدون سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان بدون حوار بين اصحاب هذه الأديان، حوار غايته بناء ارضية تفاهم حول معايير أخلاقية مشتركة”.
وأورد مقتطفا من الرسالة الملكية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده الى المشاركين في أعمال المؤتمر الدولي حول تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، الذي احتضنته فاس سنة 2013، “في عالم مطبوع بشتى التناقضات، وبتوالي الأزمات بمختلف أشكالها، لا ينبغي أن نقف اليوم كمجرد شهود على انبثاق نموذج حضاري كوني جديد، تحكمه العولمة والتكنولوجيات الحديثة، بل يجب أن نكون فاعلين أساسيين فيه، وفي هذا السياق، لا بد لنا من التحلي بالنزاهة الفكرية، والقدرة على الإبداع من أجل تطوير وسائل مبتكرة، لفهم العالم والتأثير فيه، دون الوقوع في الاستلاب، أو الانسياق المرفوض للتعصب ونبذ الآخر”.
وقول جلالته أيضا “تربية شبابنا على الانفتاح والإصغاء والتسامح، وعلى الإيثار وقبول الاختلاف والتنوع، تشكل العلاج الناجع ضد صدام الجهالات، وشرطا مسبقا لا محيد عنه، للحفاظ على الأمن والسلام في العالم”.
وشدد الدكتور منير على أن الحل يكمن في وضع خطط واستراتيجيات تعاون بين المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والثقافية والمنابر الإعلامية قصد بناء الإنسان المتكامل لأن أزمة اليوم هي أزمة إعداد وتربية و توجيه هذا الإنسان بالأساس، سواء عند المسلمين أو عند غيرهم، لمواجهة خطاب الكراهية وما ينجم عنه من عنف وتعصب ورفض للآخر المخالف و محاولة اقصاءه.
كما أشار الى احتضان مدينة طنجة في العاشر من هذا الشهر ( يونيو ) فعاليات المؤتمر الدولي “لحوار طنجة”، الذي ينظمه مشروع “علاء الدين” بشراكة مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي ومنظمة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة، من أجل إرساء جسور التفاهم بين ثقافات وحضارات العالم ، و الذي حمل شعار “نحو أفق مشترك جديد”، وأضاف أن المشاركين في هذا الحوار أكدوا على أن هذه المبادرة تشكل فضاء لقادة العالم وزعمائه من أجل خوض حوار مفتوح لتحديد معالم مستقبل يقوم على قيم التحالف والتضامن الإنساني والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين الحضارات والشعوب.
وتابع أنه كان من بين المشاركين مستشار جلالة الملك، السيد أندري أزولاي، الذي أكد أن “المغرب يشكل ملتقى للحضارات ونموذجا للتعايش والتلاقي بين الثقافات والديانات”، و “أن المغرب عرف كيف يجد السبيل للوصول إلى التوافق، توافق أمة ومجتمع، على أرض الإسلام بالعالم العربي، والذي اختار الحداثة”.
ونبه رئيس مؤسسة الملتقى الى أن مؤشرات التغيرات الجيو-استراتيجية بالعالم، تدعونا جميعا إلى ضرورة صياغة ميثاق عالمي جديد أساسه العمل بشكل جماعي من أجل الأمن والسلام،
وقال ” لابد لنا كرجال فكر وعلم من أن نساهم في إخراج الإنسانية من حالة البطش إلى حالة التراحم، ومن حالة التلذذ بالصراع و حب السيطرة إلى حالة طموح التعاطف، ومن نزعة التنافر والتباعد إلى طلب التقارب والتعارف، وفق نظرة مقاصدية تروم بلورة مقاصد الدين والخروج بها من دائرة الجمود والانغلاق و غايتها إظهار الرحمة المهداة للعالمين في أبهى تجلياتها عند معاملة الخلق بما يرتضيه الحق”.
واختتم مداخلته بقوله “ولقد كان المغرب على مر العصور والازمان قبلة للتعدد الثقافي والديني، و منارة للتعايش السلمي في تناغم يقوم على تقبل الإختلاف على أسس من الاحترام المتبادل بين كل شرائح المجتمع المغربي، فالمسلم واليهودي والمسيحي والأمازيغي والعربي والصحراوي، كلهم يشكلون هوية مغربية تتقاسم الفضاء الأفريقي والمتوسطي ثقافيا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا، وباعتبارهم مغاربة يتفانون في الدفاع عن هويتهم، و يساهمون بفضل تراثهم المادي و القيمي المشترك في دعم اسس حوار الحضارات و لبنة في بناء صرح المشترك الإنساني و أساسا لعلاقات دولية مبنية على الإحترام المتبادل و مبدأ رابح- رابح اقتصاديا و ثقافيا و حضاريا ، خدمة للأمن والسلم والسلام و التعايش تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده”.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق