مع الحدث
تحرير ✍️: مجيدة الحيمودي
في زمن عزّ فيه الوفاء تظل سيرة الراحل محمد امجيد شاهدة على زمن من النبل الوطني والالتزام الإنساني، حيث اختار الرجل أن يكتب اسمه بأحرف من صدق، لا في صفحات السياسة فحسب، بل في سجل العطاء المجتمعي الذي لا يُمحى.
لم يكن محمد مجيد مجرد مناضل في دروب الكفاح الوطني، بل كان صوت ضمير حي، رأى أن بناء الأوطان لا يُقاس فقط بالمواقف في لحظات الصراع، بل بالاستمرار في خدمة الناس، خاصة أولئك الذين لا صوت لهم. فقد آمن أن قُربه من قضايا الإنسان هو أقصر طريق إلى حب الوطن، فحمل هموم المجتمع كما يحمل الأب همّ أبنائه، بعقلية رجل دولة، وقلب مواطن بسيط.
ولم يكن مشهد جنازته إلا انعكاسًا لما مثّله في حياة المغاربة؛ حضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وكوكبة من رموز السياسة والجيش والرياضة، لم يكن مجرّد مجاملة بروتوكولية، بل شهادة صادقة على مقام الرجل، واحترامٍ نادر يجتمع فيه الجميع على اختلاف مواقعهم.
لكن الجميل في القصة أن السيرة لم تُطوَ بوفاته. فها هو نجله، أبو سفيان الكابوس، يواصل الحكاية، لا من باب الإرث الشكلي، بل عبر ممارسة يومية صامتة تفيض عطاءً. يشتغل بعقلية الجيل الجديد، لكن بروح وفلسفة مؤسس مؤسسة مجيد، التي باتت اليوم أكثر من مجرد مؤسسة اجتماعية، بل مرآة لقيم الوفاء، ومحرّك لمبادرات كرامة الإنسان.
في زمن تتغير فيه الوجوه وتُنسى المواقف، يبقى محمد مجيد مثالاً للرجل الذي صنع مجده بصمت، وترك بصمته في وجدان وطن. ويكفي أن نرى أبناءه الروحيين والمباشرين يواصلون المسيرة، حتى نطمئن أن الرسالة لم تضع، وأن القيم حين تُغرس جيدًا، تزهر ولو بعد حين.
إنها قصة رجل لم يعش ليرى اسمه في العناوين، بل ليبقى في القلوب… وها هي الرسالة مستمرة.
تعليقات ( 0 )