الهوية المغربية في زمن العولمة.. هل نضيع وسط العالم؟
✒️ هند بومديان
في زمنٍ أصبحت فيه الحدود مجرد إشارات على الخريطة، والأصوات متشابكة في الفضاء الرقمي، تتعرض الهوية المغربية، مثل كثير من الهويات، لرياح العولمة العاتية. فهل ما زلنا نحن، كما كنّا؟ أم أننا نذوب رويداً في ملامح لا تشبهنا؟
الهوية المغربية لم تكن يوماً جامدة أو منغلقة، بل هي نسيج غني من التعدد: أمازيغي، عربي، إفريقي، أندلسي، يهودي، صحراوي… هوية نسجها التاريخ بخيوط الهجرة، الفتوحات، والاحتكاك بالآخر. لكنها كانت دائما قادرة على احتواء التنوع وتوجيهه نحو التماسك.
اليوم، تواجه هذه الهوية تحديات جديدة، مختلفة في عمقها وطبيعتها. فالعولمة ليست فقط في اللباس، أو الموسيقى، أو الأكل، بل في الفكر، والقيم، والسلوك اليومي. أصبح المغربي يسمع أكثر للغرب مما يسمع لتقاليد أجداده، ويشاهد العالم أكثر مما يشاهد وطنه، ويقتبس من ثقافات الآخرين أكثر مما يغوص في كنوزه الخاصة.
تتغير اللغة في الشارع، وتذوب اللهجات، ويخترق الدارجة ألف مصطلح فرنسي وإنجليزي. في المدارس، تفقد العربية بريقها، وفي البيوت، يُستبدل الكسكس بـ”السوشي”، ويُغنّى للراب أكثر مما يُتغنى بالعيطة أو الملحون. فهل هذا تطور طبيعي أم بداية انسلاخ هوياتي؟
في المقابل، ليس من الحكمة شيطنة العولمة. فهي فتحت لنا أبواب العلم، والتواصل، والانفتاح، ومكّنت الكثير من الشباب المغربي من التعبير عن نفسه وإبداعاته في فضاءات لم تكن ممكنة من قبل. لكن السؤال: هل نستهلك العولمة بوعي، أم نذوب فيها بلا مقاومة؟
الهوية ليست لباساً أو طبقا شعبياً، بل وعي جماعي بالقيم، الانتماء، والتاريخ. حين يفقد المجتمع ثقته في ذاته، يبدأ في تقليد الآخر حدّ الاستلاب. وحين تنهار المدرسة العمومية، ويُهمل التراث، ويُسخر الإعلام للسخرية من الأصالة، تتشقق الهوية تحت أقدام الموضة والموجات العابرة.
إن الحفاظ على الهوية المغربية لا يعني الانغلاق، بل يعني أن ننفتح بوعي. أن نعرف من نحن، وماذا نريد أن نحمل معنا من الماضي إلى المستقبل. أن نُصالح أطفالنا مع لغتهم، تراثهم، وأغاني جداتهم، دون أن نمنعهم من استخدام التكنولوجيا أو الحلم بالعالم.
في زمن العولمة، لا تضيع الهويات القوية. الذي يضيع هو الذي ينسى من أين أتى، فيفقد البوصلة في طريق لا يشبهه. فهل نحن مستعدون لحماية ذواتنا من الذوبان؟ أم سنترك المغرب يتحدث بلهجة لا يفهمها أبناؤه؟
الجواب يبدأ من البيت، من المدرسة، من الإعلام، ومنك… ومنّي.
تعليقات ( 0 )