جاري التحميل الآن

بينَ علاقةٍ وأُخرى..

 

لميا أ. و. الدويهي.لبنان

تعُوُدنا الحياة بمواقف تفرضُ علينا خيارات، لا بل تدفعُنا إلى اتِّجاهات ومنعطفات وأحيانًا إنحرافات تقود مصيرنا إلى مجاهل تجعلنا غرباء عن عالمنا؛ وغالبًا، لا بل دومًا هي العاطفة التي تدفعنا إلى هناك… فالطفل الذي بداخلنا لا ينفكُّ يحاولُ جذبَ الانظار إليه، ليقولَ أنا هنا وبأنَّ الحبَّ والاهتمام يليقان بي، ليشعر بالطمأنينة والسلام، فينمو من الداخل وينعم بالاستقرار الذي تمنحه إياه هذه العاطفة: «إنَّ الإنسان يحتاجُ إلى العاطفة لينموَ من الداخل تمامًا كما يحتاجُ الجسد إلى الطَّعام، لينموَ ويتمتَّعُ بصِحَّةٍ جيِّدة»…
وعندما نبلغ مرحلة التحليق وبداية اكتشاف ذواتنا من خلال علاقاتنا العاطفية، تجدنا، باللاوعي، إمّا نبحث عمّا كان ينقصنا في بداياتنا على الأرض كإنسان وإمّا نبحثُ عمّا كان السبب في ما كان ينقصنا، لأنّنا وباللاوعي أيضًا ترسَّخت فينا فكرة عدم استحقاق العاطفة لسبب ما، لسنا مسؤولين عنه، وبهذا اللاوعي ذاته، نلوم أنفسنا، وكأنّنا نحن من افتعل هذا الأمر ولسنا مَن تلقّاه.
لستُ بوارد القيام بتحليلات نفسيَّة، ولكنِّي وددتُ تسليط الضَّوء على هذه الناحية كأساس لفهم بعضٍ من نواحٍ في تركيبتنا العاطفيَّة… ومن هنا الولوج إلى زاوية واحدة من زوايا لا معدودة وغير مفهومة وأحيانًا إستثنائيّة، قد نجدها نافرة لنا، ولكنَّها مُناسبة لمَن يَحياها…
عند الفشل أو نهاية علاقةٍ ما، كنَّا قد «استثمرنا» أو استطعنا استثمار طاقاتنا العاطفيَّة، نرى أنفسنا وبدون انتباهٍ واعٍ، نبحثُ عن شبيه لِمَن خَسرنا أو عن شخصٍ نستطيع تحويل العاطفة ذاتها إليه وسكبها بالطريقةِ نفسها على شخصٍ جديدٍ نكونُ قد درسنا نواحٍ من شخصيَّته، لنرى إن كان يحوي بعضًا من المواصفات التي تخوِّلنا محاولة غزوه لمعاودة استثمار هذه العاطفة عنده، بالطريقة نفسها التي اعتدناها مع الحبيب السابق، وكأنَّهُ نوعٌ من التَّجيير، فنتوهَّم بأنَّنا قد وقعنا في حبِّ هذا الجديد، بينما نحن نُسكِّنُ ألمنا عنده ونُفسح المجال لهذه العاطفة بأن تتفجَّر فتأخذُ مجراها «الطبيعي» بشكلٍ غير طبيعيّ، لأنَّ هذه المجاري ليست المناسبة لها… إذ الكلُّ طَوعَ إرادة اللاوعي…
كيف نتأكَّد؟… لا أحد يستطيع الجَزم، إلَّا أنَّ المُفارقة الوحيدة تكمُن في كيفيَّة التعايش مع هذا الآخر والارتقاء بالمشاعر والتحاور لبلوغِ الحبّ الذي يبني الإنسان وشريكه، فعلاقتهما، وعائلتهما، إن اختارا تكوين واحدة، وما قد يضعانه كأُسسٍ حقيقيَّة يعودانِ إليها في ساعاتِ الشدَّة… شخصيًّا أرتكنُ إلى الوجود السَّامي للخالقِ بين اثنَين، فهو يخلق التوازن بينهما وحضوره السرِّي قادرٌ على تهدئةِ الأمواج مهما عَلَت، والمساعدة على قراءةِ ذواتنا على ضَوءِ الآخر من خلالِ هذا الحُضور… وهو حقًّا في سلام، مَن استطاعَ فهمَ وقبول ذاته بنواقصها وتقلُّباتها ووضعِ هذه الذات بين يدَي الخالق ليردُمَ يها كافَّة الثغرات ويجعل هذه النَّفس مُتماسكة، حقيقيَّة، واضحة، قابلة لأن تُحِبّ وبالتالي تُحَب…

لميا أ. و. الدويهي
١/٢ / ٢٠٢٣

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك