حراس السيارات بالمغرب: بين الفوضى المنظمة وتقصير الجهات المعنية

مع الحدث متابعة لحبيب مسكر

مع حلول فصل الصيف وارتفاع وتيرة التنقل داخل المدن، تعود إلى الواجهة ظاهرة “حراس السيارات”، التي لم تعد مجرّد مبادرة عفوية مقابل بقشيش، بل تحوّلت في عدة مناطق إلى فوضى منظمة، تتخللها حالات ابتزاز واحتلال للملك العمومي، في ظل ضعف واضح في تطبيق القانون.

في المدن الكبرى والمناطق السياحية والأسواق الشعبية، يصادف المواطن بشكل يومي من يرتدي “السترة الصفراء”، واقفًا بجانب سيارته، يطالبه بأداء مبلغ مالي مقابل ركنها، حتى وإن كانت المنطقة مصنفة كمجال مجاني. وفي بعض الحالات، تُفرض تسعيرات تصل إلى 10 دراهم أو أكثر، وفي حال الامتناع، يواجه السائق تهديدًا مبطنًا بإلحاق الضرر بسيارته.

وقد وثّقت مقاطع فيديو عديدة، منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الممارسات، حيث اشتكى مواطنون من تعرضهم للابتزاز أو التهديد، بل وحدث في بعض الحالات أن تم اعتقال بعض هؤلاء الحراس بعد تدخل رجال الأمن، خصوصًا في المناطق الساحلية، حيث استغل بعض الأفراد مواقف سيارات عمومية وفرضوا الأداء رغم وجود لافتات تشير إلى مجانية الوقوف.

من احتلال الشوارع إلى كراء الملك العمومي!

الخطير في هذه الظاهرة ليس فقط فرض الأداء، بل تحويل الملك العمومي إلى “مشروع خاص”، يتم استغلاله دون وجه قانوني. ففي عدد من المدن، يُلاحظ وضع حاويات، دراجات نارية أو حواجز حجرية لحجز أماكن معينة، ثم مطالبة السائقين بدفع المال مقابل السماح لهم بالركن.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 57.19 المنظم للأملاك العقارية للجماعات الترابية واضح في مادته الخامسة، حيث ينص على أن:

> “الملك العام للجماعات لا يُقبل تفويته أو الحجز عليه أو تملكه بالتقادم، ولا يمكن أن يكون موضوع حقوق عينية عقارية أو أية حقوق أخرى، لا سيما الحق في الكراء التجاري أو الأصل التجاري.”

ورغم ذلك، نجد جماعات ترابية تقوم بكراء شوارع وأماكن عمومية، وهو ما يتجاوز صلاحياتها القانونية، إذ إن الكراء لا يصح إلا في الأملاك الخاصة للجماعة، لا في الملك العمومي. المفارقة أن الشخص الذي رست عليه الصفقة، يعيد كراء هذه الأماكن بشكل يومي لأفراد آخرين، ليصبح “الحارس” مجرد مكتري يومي، يعمل تحت ضغط استخلاص العائد.

ابتزاز يومي للمواطن.. وميزانية شهرية خاصة بالحراس!

المواطن البسيط، الذي يضطر للتنقل بين أحياء المدينة من أجل العمل أو قضاء الأغراض، يفاجأ في كل وقفة بوجود حارس يطالبه بالأداء. وقد ينتهي به اليوم وقد دفع لستة أو سبعة حراس، دون إيصال أو ضمان أو تأمين. بعض الموظفين صاروا يُدرجون “ميزانية حارس السيارات” ضمن مصاريفهم الشهرية، إلى جانب فواتير الماء والكهرباء.

وفي شهادات حية، تحدث مواطنون عن تعرض سياراتهم للتخريب رغم دفعهم، مثل حالة سجلت بفاس، حيث أدى أحد المواطنين 10 دراهم، ثم عاد ليجد باب سيارته تعرض للتخريب بعد محاولة فتح بالقوة، ولما واجه الحارس، أجابه هذا الأخير بثقة غريبة:

> “اللي خلصتيه راه كراء الأرض، ماشي الحراسة!”

إشادة بتدخل رجال الأمن

وفي المقابل، نُسجّل باحترام تدخلات رجال الأمن التي لاقت إشادة واسعة من المواطنين، حيث صرح العديد من الضحايا، عبر فيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أنهم بمجرد الاتصال بالمصالح الأمنية، وجدوا آذانًا صاغية وحضورًا فوريًا، أسفر عن اعتقال بعض الحراس المتورطين في السب أو الابتزاز أو التهديد.

فوضى على الأرض، ومبادرات محدودة

وبين من يحتل الشارع العام بدون ترخيص، ومن يستغله بعقود مشكوك في قانونيتها، يبقى المواطن هو الضحية الأساسية لهذا الفلتان. فقد أعلنت عمدة مدينة الدار البيضاء عن تنظيم جديد مبني على دفتر تحمّلات، يهدف إلى منح كل حارس منطقة لا تتعدى 70 مترًا، مع شروط للزي والانضباط. غير أن هذا الإجراء، رغم أهميته، يظل محدودًا في تطبيقه المحلي، ولا يشمل باقي المدن.

الجانب الإنساني.. لا يُنسى

ورغم سوداوية الصورة، لا يمكن إغفال الجانب الإنساني في بعض الحالات، مثل الأرامل أو المسنين أو العجزة الذين يعملون بشكل متواضع لتأمين لقمة العيش، دون ابتزاز أو تهديد. وفي هذه الحالات، غالبًا ما تكون المساهمة من طرف المواطنين طوعية، بدافع التضامن والتقدير للظروف الاجتماعية القاسية.

خلاصة القول

إن قضية “حراس السيارات” لم تعد مسألة “بقشيش” أو “تعاون اجتماعي”، بل أصبحت قضية قانونية وأمنية واجتماعية بامتياز، تستدعي تدخلاً فعّالًا من الجهات المعنية، يضمن احترام الملك العام، ويحمي كرامة المواطنين، دون أن يغفل البعد الإنساني في حالات الهشاشة الاجتماعية.

فهل ننتظر أن تتحول الفوضى إلى عرف مقنن؟ أم أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار للقانون وتنظيم الفضاء العام بما يليق بمغرب اليوم؟

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)