كفاءة بلا منصب و منصب بلا كفاءة

حين تنقلب الموازين كفاءة بلا منصب و منصب بلا كفاءة

هند بومديان

 

“حين تنقلب الموازين:

  • كفاءة بلا منصب ومنصب بلا كفاءة”

في مجتمعات عديدة، نجد أنفسنا أمام معادلة مشوهة تفرض نفسها كواقع يومي: مسؤولون يفتقرون إلى الكفاءة، وموظفون يمتلكون شهادات عليا لكنهم محاصرون في زوايا التهميش. إنه انقلاب صارخ للمنطق، حيث يُختزل النجاح في العلاقات والولاءات، بينما توضع الكفاءة على هامش الاهتمام.

في الكثير من الإدارات والمؤسسات، لا يُصعد الأكفأ، بل من يمتلك الظهر الأقوى. يتخرج الآلاف من الجامعات حاملين شواهد علمية راقية، يملكون الحماس، المعرفة، والرغبة في التطوير، لكنهم يجدون أبواب الفرص مغلقة في وجوههم، بينما تُفتح على مصراعيها لأولئك الذين لم يبذلوا جهدًا في التعلم، لكنهم أجادوا فن المجاملات وتكوين العلاقات النافعة.

هذا الواقع لا يؤدي فقط إلى تدمير الطموح، بل يخلق بيئة عمل عقيمة، حيث يسود الإحباط وتذبل الكفاءات وسط جو من العشوائية والمحسوبية. عندما يكون القرار بيد شخص لا يملك الدراية، فإن النتائج تكون كارثية، ويصبح التسيير مجرد اجتهادات عشوائية تدفع ثمنها المؤسسات والمجتمعات ككل.

إن أكبر ما يهدد أي مجتمع هو إقصاء العقول المفكرة وإحلال الولاء محل الكفاءة. فالوظائف القيادية تحتاج إلى رؤية، خبرة، وقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، وليس إلى أشخاص يتقنون فن الظهور في المناسبات والتصفيق لقراراتهم الخاطئة. عندما تصبح المناصب مكافآت تُوزّع لاختيارات شخصية، بدل أن تكون مسؤوليات تُسند لأصحابها المستحقين، فإننا نسير نحو هاوية من الفساد والتخلف.

حين يرى الشاب المتخرج بامتياز أن جهده لم يُؤتِ ثماره، بينما صعد غيره بلا تعب، فإنه يفقد الأمل في النظام كله. ماذا نقول لطفل يحلم بمستقبل مشرق حين يرى أن الطريق لا تمر عبر الاجتهاد، بل عبر العلاقات؟ كيف نُقنع شابًا بأن التعليم هو مفتاح النجاح إذا كان المفتاح الحقيقي بيد من لم يفتح كتابًا؟

ورغم قتامة الصورة، فإن الحلول ليست مستحيلة. المجتمعات التي تريد أن تنهض، لا بد أن تعيد الاعتبار للكفاءة، وأن تجعل الجدارة معيارًا أساسيًا للترقي في المناصب. المحاسبة، الشفافية، والعدالة المهنية هي الأعمدة التي يرتكز عليها أي نظام ناجح.

ربما يستغرق التغيير وقتًا، لكنه يبدأ بوعي الأفراد بحقوقهم، بخلق ثقافة عمل تحترم الكفاءات، وبالضغط نحو إصلاح الأنظمة التي تجعل من المنصب غنيمة بدل أن يكون مسؤولية. إلى ذلك الحين، سيبقى السؤال معلقًا: متى تعود الأمور إلى نصابها، ويجلس الكفء على كرسي القرار بدل أن يكون مجرد موظف ينجز ما لا يفهمه رئيسه؟

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)