دهاليز الأحد : ماسح الأحذية البورجوازي

 

عبدالرحيم الشافعي

 

دهاليز الأحد : ماسح الأحذية البورجوازي

رأى رواية الزانية في المقعد الخلفي للسيارة الحمراء كنا في بداية شهر يناير وكان الجو باردا وكأننا فوق قمة جبل جليدي، مع العلم أنني كنت جالسا في مقهى العذراء، بشارع أسيما بالبيضاء مع صديقي شاعر الغمام وعلى طاولتنا فنجان قهوة أمريكية ومفكرة بنية وقلم أسود و آي بود محملة بكلاسيكيات فريد الأطرش للشاعر، وإبريق من الشاي بالنعناع ورواية الزانية لي.

إنه مكاننا المعتاد في عطلة آخر الأسبوع…
اتجه نحونا شاب ثلاثيني أسود البشرة، وقوي البنية، ينتمي للأقاليم الصحراوية بالمغرب، متأنق يرتدي سروال بدلة أسود اللون، وقميصا أبيض فوقه جيلي أسود، كان لباسه يشبه نادل المقهى، يحمل في يديه علبة صغيرة فيها فرشاة و منشفة و مواد للتلميع…
قال لي:
هل أقوم بتلميع حذائك ؟
قلت نعم، ولكن بشرط أن أقوم بذلك أنا!
قال لي صديقي الشاعر، دعه يلمع حذاءك، إنه حرفي ! أنظر الى حذائه اللامع!!
كان يضع عطرا من تلك العطور المرقمة التي تباع في مركز المدينة…
قبل أن ينحني لتلميع الحذاء، شد انتباهه عنوان الرواية:
الزانية !!
فجأة، ظهر النادل، فسأله ماسح الأحذية:
المرحاض من فضلك ؟
النادل: يقع في الطابق الأول، ولكن انتبه صاحبة المقهى هناك !!
كان الطابق العلوي يفرغ تماما عندما تصعد سيدة المقهى!
امرأة حسناء في العقد الرابع من عمرها، ذات بشرة بيضاء، و شعر أشقر، كانت ترتدي تنورة جلدية سوداء، تحتها كولون أسود شفاف و حذاء بني بكعب عالٍ.
كان الحذاء ضيقاً…
صعد ماسح الأحذية في اتجاه المرحاض، اصطدم بمؤخرة صاحبة المقهى وهي منحنية تعدل حجم الحذاء، التفتت بسرعة نحو ماسح الأحذية، تطلعت إلى وجهه! وهو متأنق ورائحة عطره تملأ المكان، فتمعنت في حذائه اللامع في سهو تحاول الاعتذار!
سحقا لقد شعرت بماء الحياة يتدفق بين رجليها لحظة الاصطدام.
كان رجلا ذكيا يرتدي حزاما يلمع كالحذاء، وكان مقاس الحزام مناسبا !
فقالت: آسفة لقد وقفت في الطريق والممر ضيق
قال أعتذر أنا أيضا كنت مسرعا فلم أنتبه.
سألها :
مرحاض الرجال من فضلك…؟
اللعنة، لقد أعطته النعت الخطأ…
كان المرحاض الخاص بمالك المقهى!
ماسح الأحذية رجل صحراوي محنك وأثناء اصطدامه بمؤخرتها أثار شيء في داخلها لم تعد تشعر به لوقت طويل …
إنها الرغبة.
قبل ذلك بأسبوع كان ماسح الأحذية يراقب صاحبة مقهى العذراء، فكانت تذهب إلى هناك كل إجازة في آخر الأسبوع، تراقب المستلزمات وتتفحص كل ما يلزم المقهى والزبائن، كانت لها سيارة حمراء من نوع نيسان صني، وكانت تضع رواية الزانية، وراء المقعد الخلفي للسيارة…
عجبا ! فاختيار ماسح الأحذية لطاولتي لم يكن عشوائيا, كانت نفس الرواية التي تضعها مالكة المقهى خلف المقعد الاخير للسيارة هي نفس الرواية التي كنت أضعها أمامي !
كان يعلم أنها زانية…
أدخلته المرحاض الخاص بمالك المقهى، فدخلت معه، فأقفلت فمه و صارت تفك له الحزام…أدخل يده في الجيب الخلفي لتنورتها، فاخرج الواقي الذكري، بينما هي تفك الحزام… سقط السروال…
كان لا يرتدي ملابس داخلية في طقس بارد كيناير، وكان يعلم بشأن الواقي الذكري في الجيب الخلفي للتنورة !
كان صديقي الشاعر حينها يحدثني عن فيلم دراما أمريكي اسمه الخائنة، فازت بطلته ديان لين بجائزة الأوسكار في تجسيدها حياة امرأة خائنة ! كنا حينها نقارن الرواية مع الفيلم…
سحقا، لم أقرأ الرواية بعد !
كان ماسح الأحذية يعلم كل صغيرة و كبيرة في رواية الزانية، وكان يعلم بأن سيدة المقهى الحسناء والمثيرة، و المرأة الغنية والمثالية في المجتمع، تعاني برودا جنسيا مع زوجها، وأنا جاد عندما أقول كلما انتشر المظهر المثالي و كبر المستوى الاجتماعي عند المرأة، تقلصت المشاعر، وماتت الرغبة.
فظلت تنتظر…
ظلت صاحبة المقهى تنتظر …في الطابق العلوي حتى صعد إليها ماسح الأحذية من الطابق السفلي !!
اللعين !
كان يمثل الاكتفاء الذاتي لتلك الساقطة…
لم يكن ماسح أحذية عاد…
كان ابن الزانية ماسح أحذية بورجوازي.

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed