د. نادية عبادي … سيدة الألوان التي توثق الذاكرة المغربية

د.ن


ادية عبادي… سيدة الألوان التي توثق الذاكرة المغربية

✍️ هند بومديان

في قلب العاصمة المغربية الرباط، وُلدت الفنانة التشكيلية د.نادية عبادي، التي عانقت الفن من دون موعد، لتكتب قصتها مع الريشة واللون بصدق التجربة وصفاء الروح. هي أستاذة في اللغة والأدب الفرنسي، حاصلة على شهادة الدكتوراة في الأدب الفرنسي المقارن، برسالة موسومة بـ”الاقتباس بين الأجناس الأدبية”، غير أن مسارها الفني لم يكن نابعًا من تخصصها الأكاديمي، بل من فطرة حرة وشغف دفين رافقها منذ الطفولة.

كان للرسم حضور دائم في حياة د.نادية، حتى قبل أن تدرك أن الفن يمكن أن يكون مسارًا متكاملًا. بدأت رحلتها الفعلية حين اشترت أدوات للرسم لفتياتها وأحفادها، ثم وجدت يدها ترتجف شوقًا لملامسة الألوان، فانطلقت في مغامرة لم تكن مدروسة، لكنها كانت صادقة. لم تكن هناك لحظة ولادة واحدة، بل توالي من اللحظات التي أيقظت الفنانة الكامنة بداخلها، لتنتج أولى أعمالها: رأس حصان، كان عنوانًا لبداية مسار لا رجعة فيه.

رغم غياب التكوين الأكاديمي في الفنون، وجدت د.نادية في التعلم الذاتي مجالًا رحبًا للتطور، مستفيدة من توجيهات الفنان رضا أجير، الذي لعب دورًا محوريًا في صقل رؤيتها. تأثرت بالمدرسة الواقعية، لما فيها من صدق تعبيري يلامس الداخل ويترجم تفاصيل الحياة. وقد انعكس هذا التوجه في مسيرتها، إذ بدأت بلوحات يغلب عليها الحزن والبرودة اللونية، قبل أن يتجه أسلوبها تدريجيًا نحو الإشراق والبهجة.

تعتمد نادية أسلوبًا تشخيصيًا تصويريًا، وتميل إلى توثيق الموروث الثقافي المغربي، خصوصًا الحرف التقليدية، في محاولة لإعادة بث الحياة في ذاكرتنا.

تشتغل غالبًا بالألوان الزيتية على القماش، لما توفره من مرونة في الاشتغال، وتستلزم عزلة شبيهة بالمحراب، حيث تعيش لحظة الإبداع في هدوء وتأمل.

كانت أولى تجاربها في العرض الفني بالمكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني، حيث لقيت أعمالها استحسانًا لافتًا، شكل دافعًا قويًا لمواصلة المسار. شاركت في عدد من المعارض الوطنية، من بينها معرض Imagaleries في أبريل 2024، معرض بالمركز الثقافي بدائرة سيدي بليوط في ماي 2024، والمهرجان العالمي للفن التشكيلي بتطوان في أكتوبر من السنة نفسها، بالإضافة إلى معرضها الفردي المميز “لحظات” برواق النادرة بالرباط، الذي لاقى اهتمامًا إعلاميًا وجماهيريًا واسعًا، وملتقى فاس-مكناس الوطني للفنون التشكيلية في ربيع 2025، ثم معرض جماعي مع Plumart في ماي 2025.

رغم عدم خوضها لتجارب خارجية بعد، تتطلع د.نادية عبادي إلى عرض أعمالها في المحافل الدولية، وتحلم بأن تحظى بلقب سفيرة الفن التشكيلي المغربي الأصيل. ورغم التحديات المادية واللوجستية، كضيق الفضاء أو صعوبة نقل اللوحات، فإنها تواصل طريقها بإصرار وعشق عميق لما تفعل.

ترى د.نادية في الفن أداة لتوثيق الذاكرة، وللتفاعل الحيّ مع التراث. وترى في التكنولوجيا وسيلة مساعدة لا بديلًا عن اللمسة اليدوية. وبهذا الموقف، تعبّر عن انتمائها لفن ينبع من القلب، ويُترجم عبر الأصابع والأحاسيس.

د نادية عبادي ليست فقط فنانة تشكيلية، بل هي مؤرخة حسية للذاكرة المغربية، تعيد رسم ما قد يُنسى، وتُحيله إلى لحظة ضوء نابضة بالأمل والجمال. بين الأكاديمية والموهبة، تسلك دربها بخطى هادئة وواثقة، نحو عالم تعرف جيدًا أنها تنتمي إليه منذ البدء: عالم الفن.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)