عندما نتواجه مع ماضينا
لميا أ. و. الدويهي.لبنان
في حياتنا نختبر علاقات على جميع الأصعدة، ومن خلالها نكتشف ذواتنا ونُحدِّد أهدافنا وغاياتنا وتوجُّهاتنا… ولا تخلو هذه المراحل من فشل تُرافقه آلام، قد يؤثِّرُ بعضًا منها بعمق، وربَّما بأذيَّة على مسيرة بعض الأشخاص، الذين قد ينكفئون ولا يعودون يعرفون مواصلة حياتهم فينطوون على أنفسهم وعلى جراحاتهم، ويخافون من الانفتاح مُجدَّدًا على الحياة، لدرجة تخالهم يحملون ألمهم كرضيع يخشون أن يفلتَ منهم فيقع أرضًا أو كجرحٍ يرفضون تعريضه للهواء ليندملَ خوفًا من ألم جديد قد يطرأ على الألم ذاته ليشفى، أو كمَن يفضِّل عدم الخضوع لجراحة تحمل معها الشفاء كي لا يتألم من جراء الشق الذي ستُحدثُه قبل المثول للشفاء…
وهناك مَن يخوض غمار الألم بشجاعة ويتحمَّله بانتظار مرور مرحلة الألم للعبور إلى مرحلة الخبرة والنضوج فالوعي، فالاختيارات المناسبة، شرط ألا تكون إنتقاميَّة، فيعود ليدفع الثمن من ذاته في ما بعد…
أمّا ما قد يخضُّ الكيان ، عندما يعودُ الإنسان لمواجهةِ ماض مضى ليس بالحِسبان…
فالذي لم يتخطَّ المرحلة والأزمة على السَّواء، لن تكون المواجهة سهلة عليهِ وقد يسقط بسهولة في البؤرةِ ذاتِها التي لم يتعلَّم تخطِّيها، بقوَّةٍ وجبَ أن تنبعَ من الدَّاخل، من إرادة الحياة والقدرة على الثَّبات والرَّغبة بخوِض غمار الحياة وصولًا إلى تحقيق القناعة فالرضى فالسَّعادة…
وفي هذه الحالة، حتَّى الذي واجه وتخطَّى، ثابرَ وكوَّن لذاتِه خميرةً وأساسات بنى عليها شخصه، في ساعة المواجهة مع الماضي، سيضطربُ بأوَّل لحظات اللقاء، إلّا أنّ الشخص الذي أصبح عليه اليوم، هو الذي سيواجه ويتفاعل ويُقرِّر… ولكن هذا لا يمنع أحيانًا من حصول تفاعل ما في مواقف مُعيَّنة، ولو كانت جديدة إلَّا أنَّها قد تُذكِّر بسابقة…
قد تُراود الإنسان لحظات من التردُّد، ليس لأنَّ الماضي لا يزالُ حيًّا، بطريقةٍ ما، وإنّما لأنَّ بعضًا من هذه المواقف تردُّ إلى لحظاتِ ألم عَبرَ دياجيرَها، الخاسِر في ما مضى، الرابح في ما أتى، لأنَّه عرف كيف يستثمرُ الوجع ليولدَ من رحمهِ إنسانًا واعيًا، ناضجًا، حكيمًا، مُبصِرًا، يعرف كيف يدع الأزمات تعبر ليلجَ إلى شطآن أمان مع كلِّ رحلةِ إبحار…
هذا إذًا لا يعني بأنَّ الإنسان قد عاد للسقوط في دائرة الماضي الواهية المؤلمة وإنَّما لكونِه سيبقى حتَّى النهاية حاملًا ندبات الآلام السابقة، تلقائيًّا، ستعاوده ذكريات تخزَّنت في باطنه اللاواعي كما الواعي، لذا قد يتردّد أحيانًا وقد تُدغدغه مشاعر ما، مهما كانت، إلَّا أنّه لن يلبث أن يشدِّدَ عزيمته ليلتقط زمام الأمور مُدركًا بأنَّ المواجهة قد مضت وهي كهبّةِ نسيم قد عبرَت، ولو مهما كانت المواقف والظروف، فالنضج والإدراك والوعي سيكونون أسياد المواقف في ما يلي…
لميا أ. و. الدويهي
٥ /١ /٢٠٢٣
Share this content:
إرسال التعليق