بقلم الاستاذ : سليمان العسري
[عذرا صديقي لم أكتب عنك في الأربعينية، فقد مرَّت الآن ثمانية وأربعون يوما على وفاتك]
الكثير ربما بحكم جهالته وقمة غباوته، وقلة إدراكه، وجهله المعتقد والتاريخ والانتماء، لا يعرف هذا الرجل، ولكن أُكِنّ لهم كامل الأعذار، قلة هم من عاشروه وجالسوه، ليجدوا ذواتهم أمام شخصية فريدة، مميز في كل شيء في صفاته وأفعاله وطريقة حديثه، مثقف لدرجة لم يؤثر عليه غبار الزمن، وآهات الأحداث والأمكنة، عرفته مذ شبابه الأول، ذاك الإنسان الأنيق الملبس سواء التقليدي منه أو العصري، وظل كذلك إلى لحظة افتقاده المفاجئ، وخاصة حين بدأ عمله بإحدى شركات ميناء الطنطان حيث كان مسؤولا، إلا أن ضريبة النضال النقابي وجشع صاحب الشركة التي استنزفت ثروات بحر الطنطان، عصفت رياح الطرد بالمرحوم إلى جانب ثلة من العمال إلى العطالة، وبسبب الأنفة والكبرياء اللذان كان يتميز بهما سلك طريقا آخر للنسيان، بحيث مجتمعنا المتخلف لا يرحم من يسلكه، ولكن لم يؤثر عليه كل ذلك، فقد واصل الحياة بهندامه الجميل ودماثة الأخلاق، فلم يُسمع عنه يوما تفوُّهه بالألفاظ النابية أثناء جلساته، كما يعود لبيت أهله راجلا دون أن يتحرَّش بالجنس الآخر كما يفعل العديدون ممّن يعتقدون أنفسهم رجالا (وهم في الحقيقة مجرد ذكور)، يحيِّي من يعرف وهم كُثر (نظرا لذاكرته القوية) تحية عطرة وبابتسامة معهودة لا تقبل الغش، فلترقد روحك بسلام، وما نملك سوى تذكرك من حين لآخر… رحمك الله وألهم ذويك الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
Share this content:
إرسال التعليق