قراءة تحليلية نقدية لمصطلح “Gen Z212″للناقد عبدالمجيد طعام

المتابعة✍️: ذ.ايوب ديدي

عوائق تحول الحراك إلى قوة تغيير اجتماعي وسياسي شاملة وفاعلة

إن اختيار اسم “Gen Z212” لحراك اجتماعي مطلبي يحمل في طياته تناقضات وإشكاليات عميقة تتجاوز مجرد اختيار رمزي، لتلامس جوهر التمثيل، والشمولية، والوعي الاجتماعي للحركة. رغم جاذبية الاسم وقدرته على استقطاب فئة الشباب عبر منصات التواصل، إلا أنه يعمل كحاجز رمزي وسياسي يحد من امتداد الحراك
وفعاليته المشكلة الأبرز تكمن في حصر الحراك في شريحة “الجيل Gen Z. الرقم “212” (رمز الاتصال المغربي) والمصطلح يحيل إلى الأشخاص الذين ولدوا تقريبا بين عامي1997 و 2012 رغم أن الرقم “212” (رمز الاتصال المغربي) يسبغ على المجموعة صبغة محلية ، إلا أنه لا يلغي التضييق العمري والإقصاء الرمزي لبقية الفئات. وهذا ما يعمل على تفتيت القاعدة الاجتماعية لأن القضايا التي يرفعها الحراك ، كالتعليم، والصحة، والتشغيل، هي قضايا وطنية هيكلية تتقاطع فيها مصالح ومعاناة جميع الطبقات والفئات، من العمال والعاطلين الأكبر سنا، إلى المتقاعدين وربات البيوت والذين لا يتوفرون على أنترنيت ، والذين لا يتوفرون على آليات الانضمام إلى المجموعة.
بتحويل الحراك إلى منصة “جيل Z”، يتم تجريده من صفته الشمولية ليظهر وكأنه مخصص لمنتدى شبابي مغلق أو مجموعة فايسبوكية، مما يصعب على الفئات الأخرى، التي تشارك في نفس المعاناة، الشعور بملكيتها لهذا الحراك أو الانخراط فيه بفاعلية.إضافة إلى أن الحراك عمل على إنكار التراكم النضالي، وقد ظهر مجموعة من الشباب في تصريحات تنكر الإرث النضالي للمغاربة القديم والجديد .
إن هذا التبني الحصري يوحي بأن الجيل المحصور بين عامي1997 و 2012 هو الوحيد المعني أو القادر على النضال، متجاهلا التاريخ النضالي المتراكم للأجيال السابقة التي غالبا ما يتم تصنيفها تحت اسم Gen X أو Baby Boomers، أي جيل طفرة المواليد . في الحقيقة هي تصنيفات غريبة ،غير ثابتة ،حددت بناء على منهجية تحليل ديموغرافي واجتماعي وثقافي، حيث يتم تجميع الأفراد في مجموعات بناء على تجاربهم المشتركة في مراحل النمو والتكوين المبكرة. هذه المفاهيم ليست محددة بقواعد علمية صارمة وثابتة عالميا، بل هي تصنيفات وضعها علماء الديموغرافيا والاجتماع والباحثون في مجال التسويق والثقافة ، يعني تدخلت فيها الخوارزميات واحتياجات السوق لتصنيف الافراد ليتم استهدافهم حسب ميولاتهم ورغباتهم.
التصنيف لا يتعامل مع الخلفية الثقافية والفكرية، وإنما يتعامل مع الخلفية الاستهلاكية.
من هنا نقول إن هذا النوع من الحراك يلغي الحاجات التي حركت نضالات مماثلة، مما يضعف من شرعية الحركة أمام المجتمع الأوسع. في محاولة لقراءة نقدية لمصطلح “Gen Z” تتجاوز الجانب العمري لتصل إلى جذوره الإيديولوجية الغربية.
يظهر أن المصطلح ليس محايدا، بل هو نتاج التصنيفات النيوليبرالية والماركتينج أو التسويق التي تعيد تشكيل الهويات الجماعية وفقا لمنطق الاستهلاك والسوق، حيث يتم تجزئة الأجيال إلى شرائح أو سلع ثقافية قابلة للتسويق والدراسة. كما أنه يعبرعن تأثر بوعي نخبوي افتراضي، يتكون داخل فقاعة الإنترنت، أكثر مما هو متجذر في العمق الاجتماعي والاقتصادي للواقع المحلي. هذا الاغتراب المفاهيمي يضعف من قدرة الحراك على ترجمة المطالب المعيشية الملموسة إلى خطاب سياسي شامل ومفهوم .
لهذا نلمس أن الحراك يكرر نفس المطالب التي طرحت منذ عقود ، لكنه لم يستطع أن يبلورها في خطاب سياسي تفهمه كل الشرائح الاجتماعية. وبدلا من تعريف نفسه من خلال قضايا طبقية واقتصادية وسياسية مشتركة، اختار الحراك تعريفا عمريا واستهلاكيا مستوردا. هذا التسطيح للهوية يعيق بناء تحالفات واسعة وراسخة مع التنظيمات العمالية والمدنية التقليدية (نقابات، جمعيات، أحزاب).
من هنا نخلص إلى أن الاسم يلصق بالحراك هوية تنشأ وتنمو في الفضاء الافتراضي، مما يغذي الانطباع بأنه رد فعل سريع وفوري، ينتقل مباشرة من اللايك والترند، إلى اللافتة الميدانية، دون المرور بقنوات التحول والتنظيم الطبيعية والمجربة تاريخيا.. مما يجعل فئات مجتمعية واسعة تنظر بعين الريبة والشك إلى هذا الحراك، وتعتبره غريبا عن همومها العميقة أو متعاليا عليها. فبينما يطالب الناس بمدرسة ومستشفى وفرصة عمل، يبدو هذا الحراك مهتما بصناعة الحدث في العالم الافتراضي.
أخيرا نخلص إلى إن اسم “Gen Z212” يمثل عائقا رئيسيا أمام انفتاح الحراك وبناء قاعدته الجماهيرية الواسعة. إنه يرسخ صورة لشريحة نخبوية شبابية افتراضية، بدلا من كونه حراكا اجتماعيا جامعا يعبر عن هموم الوطن كافة. وما لم يتم تجاوز هذا القيد الرمزي والإيديولوجي الذي يخدم مصالح النيوليبيرالية، عبر تبني اسم وهوية تعبر عن الشمولية الطبقية والوطنية، فسيظل الحراك محاصرا في حدوده الضيقة، ولن يتمكن من التحول إلى قوة تغيير اجتماعي وسياسي شاملة وفاعلة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. سوكا :

    احسنت ايها الصحفي الشاب ،تابع مشوارك الجيد

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)