محمد موافق… من الميدان إلى رئاسة مصلحة المخيمات … مسار ابن بار لقطاع الشباب

حكيم السعودي

البرنامج الوطني للتخييم ليس فقط عبارة عن أرقام وأفواج ومخيمات موسمية بل ورش وطني استراتيجي يستهدف الاستثمار في الرأسمال البشري منذ الطفولة. وفي خلفية هذا الورش تقف أسماء ووجوه جعلت من التخييم رسالة أكثر منها وظيفة ومن بينهم يبرز اسم محمد موافق كأحد أبناء قطاع الشباب الذين صنعوا نجاح هذا البرنامج بإخلاص ويقظة ومثابرة.

محمد موافق ليس طارئاً على عالم التخييم ولا وافداً جديداً على الإدارة بل هو ثمرة مسار طويل بدأ من القاعدة، من قلب المخيمات نفسها حيث مارس العمل التربوي مدرباً خلال سنوات دراسته بالمعهد ثم إطاراً مشرفاً على التداريب التكوينية الخاصة بمدربي المخيمات الصيفية. تدرج في مختلف محطات العمل الميداني ليقود عدداً من المخيمات كمدير قبل أن ينتقل إلى المسؤولية المركزية حيث تقلد منصب رئيس مصلحة المخيمات بوزارة الشباب والثقافة والتواصل.إن هذا المسار ليس مجرد تسلسل وظيفي بارد بل هو تدرج طبيعي فرضته تجربة غنية بالاحتكاك المباشر بالفاعلين الجمعويين والمنظمات التربوية. لقد جعلت سنوات المخيمات محمد موافق يعرف التفاصيل الدقيقة لكل مرحلة، من إعداد البرامج والأنشطة إلى تدبير الموارد البشرية واللوجستيكية، مروراً بمتابعة الأطفال والمربين والإداريين وهو ما منحه قدرة استثنائية على قراءة المشهد التخييمي برمته.

ويجمع الذين اشتغلوا إلى جانبه أن سر نجاحه يكمن في اليقظة الدائمة والتتبع اليومي لكل صغيرة وكبيرة، إلى جانب معرفته المسبقة بشبكة المخيمات والجمعيات التي تشكل العمود الفقري للبرنامج الوطني للتخييم. فهو لا يكتفي بإدارة الملفات من وراء مكتب بل يظل متصلاً بالميدان، يتابع التقارير، يستمع لشهادات الأطر ويعاين التحديات عن قرب. هذا الحضور الميداني الدائم جعله في نظر الكثيرين من أكثر الأطر قدرة على ضمان استمرارية البرنامج وصون توازنه.ولعل ما يميز محمد موافق أكثر هو أنه ابن بار لقطاع الشباب؛ فقد نشأ بين أروقة هذا القطاع الذي كان والده أحد موظفيه حتى بلوغه سن التقاعد. هذه الخلفية الأسرية صنعت علاقة وجدانية بالمجال وأدخلت في وجدانه قناعة بأن خدمة الطفولة والشباب ليست وظيفة عابرة بل التزام أخلاقي ممتد عبر الأجيال.

 

إن شخصية محمد موافق تجمع بين الهدوء والقدرة على الحسم وبين المعرفة النظرية والتمرس الميداني. فحين يُطرح ملف معقد لا يسارع إلى الانفعال أو إصدار قرارات متسرعة بل يعالجه بمنطق التحليل الهادئ الذي يوازن بين الإمكانات المتاحة والانتظارات الواقعية وهو ما يجعله قادراً على كسب ثقة مختلف الشركاء.ويؤكد متخصصون في علم الاجتماع التربوي أن القيادة في فضاءات مثل المخيمات تحتاج إلى شخصية متوازنة تمتلك الذكاء العاطفي إلى جانب القدرة التنظيمية أي شخصية تعرف كيف تدير الأفراد وتحفزهم وتحتوي النزاعات الصغيرة قبل أن تتحول إلى أزمات. ولعل هذا ما يجعل مسار موافق نموذجاً حياً لمفهوم “القائد الميداني” الذي تحدث عنه علماء الإدارة الحديثة مثل “جون كوتر” الذي يرى أن القيادة الفعالة تقوم على الرؤية والتواصل وبناء الثقة أكثر مما تقوم على الأوامر والتعليمات.

 

من زاوية أخرى يعكس مساره كذلك حكمة مقولة جون ديوي: “التربية ليست استعداداً للحياة بل هي الحياة نفسها”. فمحمد موافق مارس التربية بمعناها العملي من قلب المخيمات وجعل منها مدرسة لبناء ذاته أولاً ثم لقيادة الأجيال اللاحقة عبر برنامجه الوطني.

ولا يخفى أن البرنامج الوطني للتخييم ظل على امتداد سنوات يواجه تحديات مالية ولوجستيكية وتنظيمية لكنه صمد واستمر بفضل أطر جمعوا بين الرؤية والخبرة وكان محمد موافق واحداً من أعمدتهم. لقد أثبت أن الإدارة حين تكون متصلة بالميدان وقريبة من تفاصيله تصبح قادرة على الإنجاز رغم الصعوبات.

 

إن قراءة مسار محمد موافق تكشف أن نجاحه لم يكن صدفة بل ثمرة لتدرج عقلاني وإخلاص مهني وحضور ميداني. لقد صنع لنفسه مكانة بين أكثر الأطر قدرة على ضبط تفاصيل ورش وطني حيوي وضمان استمراريته وجعل من تجربته الشخصية تجسيداً لفكرة أن التخييم فعل تربوي ورؤية استراتيجية ورسالة إنسانية قبل أن يكون مجرد موسم صيفي للأطفال.

 

يظل مسار محمد موافق نموذجًا حيًا للفاعل الجمعوي والإطار التربوي الذي يدمج بين الرؤية الاستراتيجية والخبرة الميدانية. نجاح البرنامج الوطني للتخييم لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة يقظة دائمة ومتابعة حثيثة لكل التفاصيل وارتباط عميق بالميدان وبالأطر الجمعوية والشبابية. إن مساهمته تؤكد أن القيادة الحقيقية في الفضاءات التربوية ليست مجرد إدارة للبرامج بل قدرة على بناء الثقة واحتواء الاختلافات وتحويل التحديات إلى فرص للنمو والتعلم. محمد موافق لم يكن مجرد موظف أو مدير بل رمز للعطاء المستمر وجسر يربط بين النظرية والتطبيق وبين الرؤية الوطنية والواقع الميداني مما يجعل تجربته مصدر إلهام لكل من يسعى إلى خدمة الشباب والمجتمع بإخلاص ومهنية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)