مغاربة إيطاليا ومشكلات تجارة المواد المزيفة “contraffazione” والتهرب الضريبي Evasione
ذ. أحمد براو
وفقا لتقديرات منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تبلغ الإيرادات السنوية لإنتاج السلع المقلدة وتسويقها دوليا حوالي 250 مليار دولار، بينما تبلغ ايرادات التجارة بالمنتجات المقلدة في الدول المنتِجة والقرصنة الرقمية، مئات المليارات من الدولارات.
لا تقتصر المنتجات المقلّدة على السلع الكمالية الفاخرة والعلامة التجارية، وإنما قد تطال جميع المنتجات، كالمعدات الكهربائية والالكترونية وقطع غيار السيارات والأدوية والمواد الغذائية والمنتجات المنزلية ومستحضرات التجميل والعطور..الخ.
وفقا لبيانات منظمة الجمارك العالمية، تأتي الغالبية العظمى من المنتجات المزيفة من الصين والهند وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة وباكستان وتركيا.
وعرفت هذه التجارة المحرمة في إيطاليا انتعاشا كبيرا في بداية هذا القرن بعدما كانت في نهاية القرن الماضي تقتصر على بعض المنتجات الكمالية كساعات اليد والبذلات والأخذية الرياضية والأقراص المدمجة المحتوية على المواد الموسيقية خصوصا التي تنتج سنويا في مهرجان سان ريمو شهر فبراير وأقراص الأفلام.
– انخراط التجار المغاربة في هذه الجرائم
كما هو معلوم فالجالية المغربية تعد من أكبر الجاليات المقيمة بإيطاليا والتي يتراوح عددها بحوالي نصف مليون منهم عدد كبير يزاول التجارة وبشكل خاص مسجلون بصفة شركات فردية وباعة متجولون “أمبولانتي”، خصوصا في الوسط والجنوب وجزيرتي صقيلية وساردينيا.
وهذا ما دفع بالعديد من التجار المغاربة لدخول هذه السوق السوداء لبيع المنتجات المزيفة بدون مراعاة للمخاطر التي قد تواجههم قضائيا وتخلق لهم مشاكل في تجديد الإقامة والحصول على الجنسية لأن المادة 473 من قانون العقوبات الجنائية في الفقرة الأولى تنص على ما يلي: “كل من كان على علم بوجود سند ملكية صناعية وقام بتقليد أو تغيير ماركات وطنية أو أجنبية أو علامات مميزة للمنتجات الصناعية، وأي شخص تورط في التزوير أو التغيير ، أو استخدام هذه العلامات التجارية أو العلامات المزيفة أو المعدلة ، يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 2500 يورو إلى 25000 يورو “. وبما أنه للحصول على تجديد الإقامة وطلب الجنسية يجب أن تكون صفحتك الجنائية بيضاء سليمة من أي إدانة.
فمن دواعي الأسف أنك تجد الكثير من الشباب المغاربة المقيمين بإيطاليا الذين يتوجهون لمثل هذه الجرائم المالية ويغامرون بمستقبلهم وإقامتهم طمعا في الربح السريع ضاربين عرض الحائط أنهم يساهمون في نشر السمعة السيئة التي أصبحت توصف بها الجالية المغربية عامة، وفي الأخير تجدهم لا يستطيعون الخروج من هذا المستنقع ويعيدون الكرة مرارا رغم تعرض ممتلكاتهم للحجز ومتابعتهم قضائيا وبذلك تمتلئ سجلاتهم العدلية بتلطيخ مسارهم القانوني عند حاجتهم لإحدى الوثائق التي تتطلب سجلا عدليا سلبيا.
وأنا أتتبع مستجدات وكالة “أنسا” الإيطالية للأخبار طالعت هذا الأسبوع خبر إلقاء القبض على مغربي بمدينة نوفارا رئيس عصابة لتزوير منتجات العطور وبيعها على أنها ماركات مسجلة عن طريق الإنترنيت، وتم الحكم عليه بالسجن لسنة ونصف وغرامة مالية دسمة، وكتبت مقالا يتكلم عن ذلك، لكن بحكم معرفتي بالعديد من الشباب المغاربة في مدينتي منهم من زال حاليا يتاجر في هذه المواد والمنتجات المزيفة كالملابس والأحذية الرياضية ومحفظات النساء وبعض الإكسسوارات من الساعات والعطور وغيرها، ومنهم من ترك ذلك نادما على ما قام به خصوصا وأنه كان في حاجة إلى تبييض صفحته القانونية وقمت بإرشادهم إلى توكيل محامي وطلب العفو لتسوية الوضعية حتى يتمكن من تجديد أوراق الإقامة أو طلب الحصول على الجنسية الإيطالية.
– التهرب الضريبي لا يسلم منه أغلبية التجار المغاربة
هذا غيض من فيض من بعض العراقيل التي تحول دون اندماج مغاربة إيطاليا في مجتمع الإقامة وانتهاكهم لمبدأ المواطنة الصالحة والأمانة، في ناحية تطبيق القوانين واحترام المواثيق والعهود ،كما أنهم مسلمون والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، لايكذب ولا يغش ولا يزور، وهذه كلها صفات قبيحة يتصف بها من يمتهن جريمة التزوير والتزييف وبيع المواد والمنتجات وهو يعرف أنها ليست حقيقية، فالتاجر يمحق الله بيعه إذا كان مجانبا للخيار، وفيه الغش فتنزع منه البركة ويأكل سحتا يكون وبالا عليه وعلى من يعوله. الأمر آخر الذي هو في غاية الأهمية وهو التهرب الضريبي الذي وقع فيه العديد من المغاربة المقيمين بإيطاليا فتجد أغلب سجلاتهم الضريبية مملوءة مستحقات تستوجب دفعها لمكتب الإيرادات تقدر بعشرات الألاف من الأوروات، ظهر ذلك جليا عندما أصدرت الحكومة الإيطالية السابقة مرسوما يقضي بتسوية مشكلة التهرب الضريبي بإمكانية تقليص الواجب أداءه لنسبة 15 في المائة، وهناك امتلأت أقسام الوكالات الخاصة بالتسويات الضريبية على مراحل، بالعديد من المغاربة الذي قدموا الطلبات، لكن للأسف مباشرة بعد ذلك لم يتمكنوا من المواظبة على تسديد الضرائب وتجنب الغرامات.
فليعلم المواطن المغربي المقيم في هذا البلد أن الدولة لها موارد لتسيير بعض المرافق كالصحة والتعليم والبنية التحتية وهذه الموارد هي الضرائب التي تجبى من أجل توفير هذه الضروريات للشعب وكذلك لمبدأ التضامن التي تنبني عليه الجمهورية وهو “الدولة الإجتماعية” لتوفير الحد الأدنى للطبقة الفقيرة من سكن وصحة وتعليم بالمجان حتى يتمكن المجتمع من العيش بأمان وأن يواجه الفقر ويحمي الضعفاء والمسنين والمعوزين. فإذا كان المواطن يتهرب من الضرائب فهو بذلك ينتهك عقد المواطنة ويساهم في تأخر المجتمع ولا يؤدي حق واجب عليه، بالمقابل يريد الحصول على التغطيات والإعانات، نحن جئنا لهذا البلد واخترناه كبلد ثاني للعيش بكرامة ورفاهية في ظل الديمقراطية والحرية والتضامن بين مكونات الشعب، فلا نكون كالمعاول التي تهدم ما انبنت عليه الجمهورية ولا نزيد من تفشي الكوارث الاجتماعية لتعكير الأمن وإملاء السجون وغش الناس واستغلال طيبوبتهم والحصول على المصالح الغير مستحقة وبالمقابل عدم أداء الواجبات.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق