مع الحدث / وجدة
المتابعة ✍️: ذ محمد رابحي
في قلب مدينة وجدة حيث تمتزج ذاكرة المكان بقدسية الموت، ترقد عشرات المقابر التي تحولت، للأسف، إلى فضاءات تعاني الإهمال والعشوائية، في مشهد لا يليق بحرمة الموتى ولا بمكانة مدينة تُعرف بعراقتها ورمزيتها.
من مقبرة سيدي المختار إلى الشهداء، وسيدي محمد، وسيدي يحيى، وسيدي معافة، تتكرر ذات المظاهر المؤلمة: قبور متآكلة، مساحات مهملة، غياب للتسييج والحراسة، وانتشار النباتات العشوائية بين القبور، في ظل صمت مطبق من الجهات الوصية.
الواقع لا يقتصر فقط على الإهمال المادي، بل يمتد إلى اختلالات عميقة في التدبير، تتجلى في غياب إطار قانوني واضح ينظم عمليات الدفن وتسيير هذه المرافق. إذ يُفاجأ المواطنون، في لحظات الحزن والفقد، بمطالبات مالية غير قانونية تُفرض عليهم من قبل أشخاص لا يحملون أي صفة رسمية. “رسوم الدفن” تتراوح بين 350 و400 درهم، تُطلب دون تسليم أي وصل، ودون أن يتم توجيهها إلى خزينة الجماعة.
الجماعة الحضرية لوجدة المسؤولة عن الإشراف الإداري على هذه المقابر، تجد نفسها في قلب موجة من الانتقادات، بسبب غياب مخطط واضح لصيانة هذه الفضاءات وعدم تفعيل آليات الرقابة. الوضع الراهن يفتح الباب أمام فوضى “سماسرة المقابر”، ويضع المواطنين في مواجهة واقع يستغل الألم لأغراض ربحية.
إنّ مقابر وجدة اليوم في حاجة إلى أكثر من مجرد ترميم أو تنظيف. إنها بحاجة إلى إرادة سياسية جادة تُعيد لهذه المرافق قدسيتها، وتضع حدًا لفوضى التسيير، وتُخضع مداخيلها للمراقبة الصارمة. فالكرامة لا تنتهي بالموت، وواجب الأحياء أن يصونوا حرمة من رحلوا، لا أن يتركوهم عرضة للإهمال والاستغلال.
تعليقات ( 0 )