في زمنٍ تتناسل فيه الأخبار القاتمة وتُثقلنا قصص الأنانية واللامبالاة، بزغ اسم مغربي من عمق الجالية ليعيد للإنسانية بريقها، وليذكّر العالم أن البطولة لا تُقاس بالجنسية ولا بالأصل، بل بالفعل النبيل حين يُختبر المرء في لحظة الخطر.
إنه نورالدين، مهاجر مغربي يقيم منذ سنوات بالديار الإيطالية، لم يكن يومًا نجمًا ولا صاحب شهرة، لكنه في لحظة واحدة، حين دوّى الاصطدام واشتعلت ألسنة النار في حافلة مدرسية تقلّ أكثر من خمسين تلميذًا، تحوّل إلى رمز عالمي للشجاعة والإنسانية.
فبينما هرع المارة في ذهول، كان نورالدين يركض باتجاه اللهيب، لا مبتعدًا عنه. بيديه العاريتين كسر الزجاج، وبصوته المليء بالعزم هدّأ روع الأطفال، يسحبهم واحدًا تلو الآخر، في سباق مع الزمن والموت. دقائق معدودة فصلت بين كارثة كانت ستُفجع فيها مدينة بأكملها، وبين معجزة صنعها رجل مغربي بسيط، آمن أن إنقاذ الأرواح لا يعرف حدودًا ولا ألوانًا.
الصحافة الإيطالية لم تتأخر في التقاط المشهد البطولي. عناوينها تصدّرت باسم “البطل المغربي”، ومواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بصور نورالدين، والناس تتحدث بإعجاب وانبهار عن شجاعته النادرة. كتب أحد المعلقين الإيطاليين: “نورالدين أنقذ أطفالنا، لكنه أيضًا أنقذ إنسانيتنا التي كدنا ننساها.”
ما فعله هذا المهاجر المغربي لم يكن مجرد عمل إنقاذ جسدي، بل رسالة حضارية قوية عن أخلاق وثقافة المهاجر العربي المسلم، الذي مهما ضاقت به الغربة، يظل يحمل في قلبه قيماً إنسانية عميقة من الشهامة والنجدة والرحمة.
وفي زمن تتعرض فيه صورة المهاجر العربي أحيانًا للتشويه، جاء نورالدين ليقلب الموازين، وليثبت بالفعل لا بالكلام، أن الكرامة والشجاعة لا تحتاج إلى أوراق إقامة ولا إلى اعتراف رسمي، بل إلى قلب حيّ وضمير يقظ.
اليوم، صار نورالدين حديث الصحافة الإيطالية، ووسائل الإعلام الأوروبية تتسابق لنقل قصته، فيما تتعالى أصوات المواطنين الإيطاليين للمطالبة بتكريمه رسميًا. لكنه، ببساطة المتواضعين، قال في أول تصريح له: “ما قمت به واجب إنساني، لم أكن أبحث عن المجد، كنت فقط أسمع نداء الضمير.”
وهكذا، علّمنا هذا المغربي البطل درسًا بليغًا: أن البطولة لا تُصنع في المختبرات، ولا تُمنح بالألقاب، بل تولد في لحظة صدق، حين يختار الإنسان أن يكون نورًا في وجه النار.


Comments
0