جاري التحميل الآن

” هذا جهدي عليكم ” 16/06/2022 العدد ( 55) “موظفون خارج التغطية

بقلم فريد حفيض الدين

عاد الحديث مؤخرا عن الموظفين الأشباح. من هم ومن جاء بهم ومن يحميهم؟
هم موظفون يوجدون خارج أسوار وبنايات الإدارة العمومية، برغم ارتباطهم إداريا وقانونيا بالوظيفة العمومية.
يطلق عليهم بالاشباح، لأنهم لا يظهرون إلا نادرا كما هو حال الأشباح. نراهم غالبا عند نهاية كل شهر أمام شبابيك الأبناك لاستلام رواتبهم، ثم يختفون من جديد وهكذا دواليك. أهم ما يميزهم أنهم لا يحضرون لمقرات عملهم، ولا يقومون بأية وظيفة مقابل رواتبهم التي تمنح لهم من خزينة الدولة، أي من أموال باقي زملائهم الموظفين، ولنقل من أموال دافعي الضرائب.
لا يحتجون ولا يضربون عن العمل كباقي زملائهم ، لأنهم في الأصل لا يعرفون أوقات الإضرابات ولا أسبابها ، لأنهم ببساطه في إضراب أبدي عن العمل.
المصيبة أن هؤلاء الأشباح يستفيدون من كل حقوقهم الوظيفية من رواتب ، وتقاعد ، وتغطية صحية ، وترقي في السلالم الإدارية ، والرخص الإدارية ، والعطل.
بل منهم من يستفيد من امتيازات وظيفية أخرى، كسيارة المصلحة ، وبونات البنزين ، وبطاقات الطريق السيار ، والسكن الوظيفي، والهاتف وتعبئته ، وكل امتيازات الدولة ، ما ظهر منها وما بطن….
الغريب في الامر ، أن زملائهم في الإدارة يعرفونهم جيدا، وحتى رؤسائهم المباشرين يعلمون أنهم موظفون أشباح، ولا أحد يزحزحهم من على كراسيهم ، أو فضح سلوكهم لأنهم في الغالب ما تكون لهم مظلة واقية إما في الإدارة أو خارجها ، تحميهم من المسائلة أو حتى الاستفسار .
هؤلاء البشر تواجدوا بالادارة المغربية منذ بدايات الاستقلال ، بعد ذهاب الاطر الفرنسية وحاجة الدولة إلى من يسد هذا الفراغ ، وضمان استمرارية المرفق العمومي لخدمة مصالح المواطنين وبناء الدولة الحديثة. وهكذا تم إدماج الآف الموظفين في مختلف الإدارات وخاصة في المدن الكبرى. هنا تسلل فريق من موظفين من نوع آخر. هؤلاء في أغلبيتهم أبناء أعيان ، وأبناء مقاومين ، ومعارضين للنظام ، ونقابيين ، ومناضلي بعض الأحزاب ، وكل انتهازي أراد بدوره الإستفادة من ريع الاستقلال. وهؤلاء في معظمهم ، هم من شكلوا الفوج الأول من الموظفين الأشباح داخل الإدارة المغربية. هذا لا يعني أن الدولة الحديثة آنذاك لم تكن تعلم بذلك ، لكنها تغاضت الطرف عنهم لأن الأوضاع السياسية والاجتماعية لم تكن بعد مستقرة ، ولم تكن الدولة قد بسطت نفوذها على كامل التراب المغربي، ولتتجنب قلاقل اجتماعية هي في غنى عنها…
كما أن الفوج الثاني من الموظفين الأشباح غزى مختلف الاداراة العمومية، والمجالس المحلية وكان ذلك في بدايه الثمانينات، حين تكلفت وزارة الداخلية بدمج الآف الشباب القادمين من مختلف الأقاليم الصحراوية ، في عملية ترضية وتوافقات قبلية ، خاصة وأن مشكل الصحراء المغربية كانت تهدده إلى جانب الاعداء ، تجادبات بين أعيان القبائل الصحراوية. وكان لزاما على الدولة توظيف كل هذا العدد لحلحلة المشاكل المترتبة عن دفاع المغرب على صحرائه….
ولمن لا يعلم تعتبر الجماعات المحلية أكبر خزان للموظفين الأشباح ، بها يقطنون ، ومن ريعها يستفيدون.
قيل أن عددهم 80 ألف موظف شبح ، لكن الواقع غير ذلك.
ولعل سبب تواجدهم خاصة بالجماعات المحلية في القرى كما في المدن ، كون ميثاق الجماعات والذي يحدد اختصاصاتها وادوارها ، يخول لرئيس الجماعة حق توظيف أطر وأعوان بحسب حاجيات كل جماعة.
وتتكفل الجماعة بمنح رواتب موظفيها وأعوانها من ميزانيه الجماعة. وبما أن الرئيس جاء عن طريق انتخابات ، ما يعني أن ورائه حزب ، ونقابة ، وعائلة ، وكل من ساعده على الوصول إلى الرآسة.
هنا تبدأ ترضية الخواطر، ويصبح التوظيف داخل إطار ما يعرف
ب ” أباك صاحبي ” أو نظرية
” حُكْ لي نحُك ليك ”
في الحقيقة يستعصي الوصول إلى حل لمعضلة الموظفين الأشباح لتشابك المصالح واللعب بالقانون وتكييفه من طرف بعض المختصين في السباحة بالمستنقعات.
وتبقى الرقمنة وتطبيقاتها الحديثة إحدى الحلول لفك لغز الأشباح هذا بالطبع إذا لم يكن المسؤول عن الرقمنة بدوره أكبر شبح.
هذا جهدي عليكم!!!

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك