محمد حستي
تعريف العنف المدرسي بالمغرب:
العنف المدرسي في المغرب يُقصد به كل سلوك عدواني أو غير مقبول يحدث داخل المؤسسات التعليمية أو في محيطها، سواء صدر عن التلاميذ أو الأساتذة أو الإدارة أو حتى أولياء الأمور، ويهدف إلى إلحاق الضرر الجسدي أو النفسي أو اللفظي بالآخرين. ويتجلى هذا العنف في عدة صور، من بينها:
العنف الجسدي: كالضرب أو الدفع أو استعمال أدوات لإيذاء الآخرين.
العنف اللفظي: مثل الشتم، السب، الإهانة أو التهديد.
العنف النفسي: كالتنمر، التهميش، الإقصاء أو الإذلال.
العنف الرمزي أو المؤسساتي: كالتفاوت في المعاملة، أو استعمال السلطة بشكل تعسفي من طرف الإدارة أو بعض المدرسين.
ويُعد العنف المدرسي في المغرب إشكالية تربوية واجتماعية متفاقمة، تعكس اختلالات على مستوى الأسرة، والبيئة المدرسية، والمجتمع ككل، كما أنه يُؤثر سلبًا على العملية التعليمية والتعلمية، ويقوّض مناخ الثقة داخل المؤسسة التعليمية..
العنف المدرسي بالمغرب: مقاربة سوسيولوجية وتربوية
يُعرّف العنف المدرسي في السياق المغربي باعتباره ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية، ويتخذ أشكالًا متنوعة تمسّ كل الفاعلين داخل المؤسسة التعليمية: المتعلمون/ت، المدرسون/ت، الأطر الإدارية، وأحيانًا الآباء.
من الناحية السوسيولوجية، يرتبط العنف المدرسي بتحولات المجتمع المغربي، من تفكك الأسرة، وتراجع دور التنشئة الاجتماعية التقليدية، إلى تأثير الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وغياب العدالة المجالية والاجتماعية في توزيع الخدمات التعليمية. ويُعتبر أيضًا انعكاسًا لبنية المجتمع وما يعيشه من توترات اقتصادية وثقافية وهوياتية.
أما من المنظور التربوي، فالعنف المدرسي يُشكل عائقًا كبيرًا أمام بناء العلاقة الصحية بين الفاعلين التربويين، كما يُقوّض أسس التربية على القيم والمواطنة. وتكمن خطورته في تحوّله من حالات معزولة إلى ظاهرة شبه منتظمة تهدد السير السليم وجودة التعليم وتضعف الثقة في المؤسسة التعليمية كمجال آمن ومُحفّز للتعلم والارتقاء .
وتؤكد الدراسات التربوية أن غياب مقاربة تشاركية في تدبير الحياة المدرسية، وضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة، وتدني جودة الفضاءات التربوية، كلها عوامل تُفاقم من حدة العنف داخل الوسط المدرسي.
أسباب سوسيولوجية:
التفكك الأسري: غياب الأب أو الأم، الطلاق، أو الصراعات العائلية تؤثر بشكل سلبي على استقرار المتعلم/ة النفسي وسلوكه داخل المدرسة التربوية .
ضعف التنشئة الاجتماعية: غياب التأطير القيمي والتربوي داخل الأسرة والمجتمع.
تأثير الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي: استهلاك مضامين عنيفة يُطبع سلوك الأطفال والمراهقين في غياب المراقبة والتوجيه .
العنف المجتمعي العام: ما يُشاهده المتعلم/ة في الشارع أو في المحيط يُعيد إنتاجه داخل المؤسسة التربوية.
أسباب نفسية وشخصية:
اضطرابات نفسية وسلوكية: كالغضب، القلق، أو ضعف التحكم في الانفعالات.
ضعف تقدير الذات: الشعور بالدونية أو الحاجة إلى إثبات الذات عن طريق التسلط.
التعرض السابق للعنف: التلميذ الذي يتعرض للعنف غالبًا ما يُمارسه لاحقًا.
3– أسباب تربوية:
ضعف العلاقة بين المدرس والمتعلم/ة: العلاقة المبنية على التسلط أو التجاهل تُفاقم العدوانية.
نظام تعليمي غير دامج: عدم مراعاة الفروقات الفردية والاختلافات الثقافية والاجتماعية بين المتعلمين/ت.
غياب الأنشطة الموازية: ضعف الانخراط في الأندية المدرسية والأنشطة الثقافية يُحوّل المدرسة إلى فضاء جاف يسهل فيه الانفجار السلوكي.
اكتظاظ الأقسام وسوء البنية التحتية: ما يُفقد المتعلمين الإحساس بالانتماء.
4– أسباب اقتصادية واجتماعية:
الفقر والهشاشة: المتعلمون/ت المنحدرون من أوساط فقيرة أو مهمشة ومبعدة اجتماعيا أكثر عرضة للعنف.
الفوارق الطبقية داخل المدرسة: الإحساس بالتمييز أو الحرمان يُفرز ردود فعل عنيفة.
العنف المدرسي في المغرب ليس وليد عامل واحد، بل نتيجة تفاعل مركب بين عدة أسباب متداخلة. ويتطلب التصدي له مقاربة شمولية تربوية، اجتماعية، وقانونية، تُشرك الأسرة، المدرسة، والمجتمع المدني.
اشكال العنف المدرسي
العنف الجسدي (Violence physique):
وهو أكثر الأشكال وضوحًا ويتجلى في:
الضرب أو الصفع بين المتعلمين/ت أو من طرف المدرسين.
الدفع، الركل، أو استعمال أدوات للإيذاء.
الاعتداءات الجسدية داخل أو خارج أسوار المؤسسة.
العنف اللفظي (Violence verbale):
يُمارس من طرف المتعلمين/ت أو حتى بعض المدرسين، ويتجلى في:
السب والشتم والإهانات.
إطلاق ألقاب ساخرة أو ألفاظ عنصرية/تمييزية.
التهديد أو التخويف بالكلام.
العنف النفسي والمعنوي (Violence psychologique):
ويشمل كل سلوك يُلحق أذى نفسيًا بالضحية، مثل:
التهميش، السخرية، أو الإقصاء الاجتماعي.
التنمر (le harcèlement scolaire)، خصوصًا تجاه المتعلمين/ت المختلفين (في المظهر، اللهجة، المستوى…).
الضغط والترهيب من طرف الزملاء أو الأساتذة.
العنف الرمزي أو المؤسساتي (Violence institutionnelle):
يرتبط بهيمنة السلطة داخل المؤسسة، مثل:
فرض قرارات تعسفية أو غير شفافة من طرف الإدارة التربوية.
انعدام تكافؤ الفرص أو غياب مبدأ الإنصاف في المعاملة.
الاستخفاف بشكاوى المتعلمين/ت أو تجاهل معاناتهم.
العنف الجنسي (Violence sexuelle):
رغم حساسيته، إلا أنه يُعد من أخطر أنواع العنف، ويظهر في:
التحرش الجنسي اللفظي أو الجسدي.
استغلال سلطة الأستاذ أو موظف في المؤسسة للضغط على التلاميذ.
غياب آليات التبليغ والحماية.
العنف الرقمي (Cyber violence):
ويشمل الاعتداءات التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية مثل:
التنمر الإلكتروني (الإهانة أو التشهير على وسائل التواصل).
نشر صور أو معلومات شخصية بهدف الإذلال أو السخرية.
تُعد أشكال العنف المدرسي انعكاسًا لواقع اجتماعي وتربوي مأزوم، وتتطلب معالجة متعددة المستويات، تبدأ من التشخيص العلمي وتنتهي بالتدخل المؤسساتي والمجتمعي.
آثار نفسية:
فقدان الثقة بالنفس: المتعلم الذي يتعرض للعنف يُصبح أكثر عرضة للانسحاب والانغلاق.
القلق والاكتئاب: العنف المتكرر يؤدي إلى اضطرابات نفسية قد تصل إلى أعراض الاكتئاب أو التفكير في الانتحار.
اضطرابات سلوكية: مثل العدوانية أو التمرد أو الانطواء الحاد.
2. آثار تربوية وتعليمية:
ضعف التحصيل الدراسي: الخوف، التوتر، وفقدان التركيز تؤثر سلبًا على التعلم.
الانقطاع عن الدراسة: يُعتبر العنف من العوامل المؤدية إلى الهدر المدرسي.
كراهية المدرسة: يصبح الفضاء المدرسي مرادفًا للألم والرفض.
آثار اجتماعية:
تفكك العلاقات الاجتماعية بين متعلمين/ت: غياب التعايش والتسامح وتنامي العنف المتبادل.
إعادة إنتاج العنف: المتعلم/ة الذي يتعرض للعنف قد يُصبح هو نفسه عنيفًا داخل أسرته أو في المجتمع.
تراجع دور المدرسة كمجال للتنشئة الاجتماعية الإيجابية.
آثار على المؤسسة التعليمية:
تدهور المناخ المدرسي: انتشار الخوف والتوتر داخل الأقسام.
فقدان هيبة المدرسة والمدرس وثقة الأسر فيها.
إرهاق المدرسين والإدارة التربوية وتراجع جودة الأداء التربوي.
العنف المدرسي لا يؤثر فقط في ضحيته المباشرة كيفما كان نوعها ، بل يمتد إلى باقي المتعلمين/ت، وإلى جودة التعليم ومكانة المدرسة والمدرس داخل النسيج الاجتماعي. لذلك، فإن معالجته تتطلب استراتيجية وقائية، تربوية، ونفسية شمولية.
كيفية الحد من العنف المدرسي
على المستوى التربوي والبيداغوجي:
تعزيز التربية على القيم: عبر إدماج مفاهيم التسامح، الحوار، والمواطنة في المناهج الدراسية.
تحسين العلاقة بين المدرس والمتعلمين/ت: بتكوين الأساتذة في التواصل التربوي والتدبير الإيجابي للصراع.
تفعيل الأندية التربوية والأنشطة الموازية : لتمكين المتعلمين/ت من التعبير عن ذواتهم بشكل سلمي ومبدع.
اعتماد بيداغوجيات نشيطة وتشاركية: للحد من التوتر والملل داخل القسم الدراسي.
على المستوى الإداري والمؤسساتي:
إرساء مجالس الانضباط بطريقة عادلة وشفافة: تضمن حقوق وواجبات المتعلمين/ت.
وضع آليات للتبليغ عن العنف داخل المدرسة: بسرية وفعالية، مع توفير المتابعة النفسية للضحايا.
تعزيز دور مستشار التوجيه والأخصائي الاجتماعي والنفسي داخل المؤسسات.
إصلاح البنية التحتية المدرسية: من خلال تخفيض الاكتظاظ وتحسين فضاء التعلم.
على مستوى الأسرة والمحيط:
تعزيز التواصل بين المدرسة والأسرة: عبر اجتماعات دورية وورشات توعية مشتركة.
تكوين الأسر في أساليب التربية الإيجابية: والتعامل مع المشكلات السلوكية عند الأطفال.
إشراك المجتمع المدني في الوساطة والأنشطة التوعوية حول السلوك السلمي.
تعزيز دور جمعية أباء وأولياء المتعلمين/ت في تدبير الأنشطة الموازية داخل وخارج المؤسسة التربوية.
على مستوى السياسات العمومية:
إدماج محاربة العنف المدرسي ضمن السياسات التربوية الوطنية.
تخصيص موارد مالية وبشرية لمحاربة الظاهرة.
إنجاز دراسات ميدانية دورية لتشخيص أسباب العنف وتطوراته واقتراح الحلول المناسبة.
لا يمكن الحد من العنف المدرسي إلا باعتماد مقاربة شمولية تشاركية، تُعيد الاعتبار للمدرسة كمجال تربوي آمن ومنتج، وتُراكم الوعي التربوي لدى جميع المتدخلين.
النتائج المترتبة عن العنف المدرسي
نتائج نفسية:
اضطرابات سلوكية وعاطفية: مثل القلق، الخوف، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية.
فقدان الثقة بالنفس: يؤدي إلى ضعف في بناء الشخصية وتقدير الذات.
الميل إلى العنف المضاد أو الانتقام: سواء داخل المدرسة أو خارجها، مما يخلق دائرة مفرغة من العنف.
نتائج تربوية:
ضعف التحصيل الدراسي: نتيجة غياب التركيز، الخوف من الأستاذ أو الزملاء، أو النفور من فضاء القسم.
ارتفاع نسب الهدر المدرسي: العنف يُعدّ من الأسباب الأساسية لانسحاب العديد من المتعلمين/ت من المدرسة.
كراهية المدرسة والتعليم: ما يؤدي إلى الفشل الأكاديمي وفقدان الطموح.
نتائج اجتماعية:
تدهور العلاقات الاجتماعية بين المتعلمين/ت: غياب روح التعاون والتسامح، وانتشار التهميش والإقصاء.
إعادة إنتاج العنف داخل المجتمع: المتعلم/ة الذي يُمارس عليه العنف قد يتحول إلى فاعل عنيف مستقبلًا.
تشويه صورة المدرسة كمؤسسة تربوية: ما يضعف ثقة الأسر والمجتمع في دورها ووظيفتها.
الانتقاص من قيمة المدرس كفاعل تربوي:ما يحد من ثقة المجتمع في عطائه ودوره في توجيه وتقويم المعارف وخبرات المتعلمين/ت.
نتائج على المؤسسة التعليمية:
فقدان الهيبة والانضباط: ما يؤدي إلى صعوبة التحكم في النظام المدرسي.
الضغط النفسي على الأطر التربوية والإدارية: يؤدي إلى الإرهاق المهني وتراجع جودة الأداء التربوي.
تحول المدرسة إلى فضاء للعنف بدل التعلم: وهو ما يتنافى مع أهداف التربية الحديثة.
العنف المدرسي يُفرز نتائج متشابكة تؤثر على الفرد، المدرسة، والمجتمع، وتُهدد أهداف التربية والتنشئة. ما يجعل من معالجته ضرورة حتمية ضمن أي إصلاح تعليمي.
علاج العنف المدرسي
العلاج التربوي:
إدماج ثقافة السلم والتسامح في البرامج الدراسية من خلال مواد التربية على المواطنة وحقوق الإنسان.
تعزيز التربية القيمية والسلوكية عبر الأنشطة الصفية والموازية (مسرح، أندية مدرسية، ورشات…).
تكوين الأطر التربوية في تقنيات التواصل التربوي والاجتماعي ، وطرق التعامل مع السلوكيات العنيفة الجانحة دون عنف مضاد.
اعتماد بيداغوجيا الإدماج والحوار كبدائل للعقاب البدني أو الإقصائي.
العلاج النفسي والاجتماعي:
إحداث خلايا الإنصات والتوجيه النفسي داخل المؤسسات التعليمية، بإشراف مختصين.
دعم التلاميذ الضحايا والمعتدين نفسيًا من خلال جلسات مصاحبة.
تعزيز التعاون بين المدرسة والأسرة في تتبع الحالات الخاصة.
تنظيم حملات تحسيسية داخل المدارس حول مخاطر العنف وآثاره.
العلاج المؤسساتي:
إرساء ميثاق مدرسي داخلي يُحدد الحقوق والواجبات وينظم العلاقات داخل المؤسسة.
تفعيل المجالس التربوية والانضباطية وفق مقاربة تربوية تصالحية وليس زجرية فقط.
تقوية الحكامة المدرسية عبر مشاركة الفاعلين التربويين، المتعلمين/ت، وآباء وأولياء الأمور في اتخاذ القرار.
تحسين بيئة المدرسة ماديًا وبشريًا (تقليص الاكتظاظ، تجويد البنية التحتية، التوزيع العادل للموارد…).
العلاج القانوني والسياسي:
تفعيل التشريعات الزجرية في حالات العنف الخطير مع ضمان حقوق الضحايا.
وضع سياسة عمومية لمحاربة العنف المدرسي، تشمل التكوين، المتابعة، والمحاسبة.
إعداد دراسات دورية وطنية حول الظاهرة لتوجيه السياسات التربوية بشكل علمي.
إن معالجة العنف المدرسي لا يمكن أن تتم عبر حلول سطحية أو ظرفية، بل عبر استراتيجية وطنية شاملة تشارك فيها مختلف الجهات: وزارة التربية، الأسر، الجمعيات، الفاعلون التربويون، والخبراء النفسيون.
المراجع
الكتاني، مصطفى. (2018). العنف في الوسط المدرسي: الأسباب والآثار. الرباط: منشورات المعرفة التربوية.
بلقزيز، عبد الإله. (2017). العنف التربوي بالمغرب. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.
بنهيمة، خديجة. (2020). المدرسة والعنف: تحليل نفسي تربوي. فاس: دار أبي رقراق.
اليعقوبي، أحمد. (2019). التحولات التربوية والعنف المدرسي. تطوان: مجلة علوم التربية، العدد 64.
وزارة التربية الوطنية المغربية. (2022). الدليل المرجعي للحد من العنف بالوسط المدرسي. الرباط.
بنكروم، محمد (2017). العنف المدرسي في المغرب: م
قاربة سوسيولوجية. مجلة علوم التربية، العدد 63.
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (2019). تقرير حول العنف في الوسط المدرسي. الرباط.
تعليقات ( 0 )