جاري التحميل الآن

أمزازي، الوزير الحركي، الرقم الصعب، والمعادلة المحكمة

قبل أن نبدأ في سرد سيرة رجل من الكفاءات المغربية التي نعتز بها، لا بد أن نستهل هذا المقال بالحديث عن حزب عريق بحجم الحركة الشعبية، فلا يحتاج أهل العلم بالسياسة المغربية، وبتاريخ الحركة السياسية بالمغرب كبير جهد لتوصيف حزب الحركة الشعبية كواحد من المرجعيات السياسية تاريخيا، والمحافظة على الاسقرار التنظيمي، والثبات على التوجهات، والاعتدال في الرؤى، والانخراط اللامشروط في شتى القضايا التي تهم البلاد والعباد بعيدا عن أي مزايدات سياسوية، أو طموحات تحزبية ذاتية، المتتبع لتفاصيل الخريطة السياسية المغربية يدرك تماما مدى توطين ورسوخ الحزب في قرى ومداشر وبوادي المغرب العميق، هذا الرسوخ لن يتجلى بطبيعة الحال إلا للمتتبع الباحث، والسياسي الجاد، وستخفى هذه التفاصيل والحيثيات عن كل من يوهم نفسه عبثا بأنه من فقهاء السياسة، ولا يربطه بها إلا كونه أَلِفَ الاستيقاظ متأخرا، متجها نحو أقرب مقهى من مقر سكناه متأبطا جريدة متقادمة، ويفتح هاتفه النقال ليخربش على جدران صفحته الفيسبوكية ما يعتبره مقالا، ويصدره بعنوان يسعى من ورائه إلى استجداء الإعجابات، لا لشيء إلا لكونه عنون خربشته ب:

فشل الوزير، فشل الحكومة، فشل حزب الحركة، ويدبج طرحه بكبير مصطلحات ذات اليمين وذات الشمال، ولو تمعن في كثير منها لاحتاج إلى وقت كبير لفهمها ثم إفهامها.

عودة إلى حزب الحركة الشعبية الذي ما فتئ يعبر جملة وتفصيلا عن انخراطه اللامشروط في الخيار الديمقراطي الذي تسعى المملكة المغربية إلى إرسائه، وظل الحزب كما يليق بكل الأحزاب ذات الأبواب المشرعة على النقاش والحوار، حزبا لكل من اختار اللحاق بدرب التنمية الشاملة، وظل حزبا لكل الاقترحات الفعالة، ومنصتا لنبض الشارع المغربي، ولهمس المجتمع، ويتفاعل معها بكل الوسائل المشروعة التي يتيحها الدستور المغربي للكيانات الحزبية.

لهذا فما من غرابة أن يجد حزب الحركة الشعبية من بين أطره الفاعلة شخصية وازنة بحجم البروفسور سعيد أمزازي، وما من عجب في ان يجد السيد الوزير حزب الحركة الشعبية مكانا يسع كفاءته وحنكته وثقافته واستعداده للنقاش.

إن حقيبة وزارة التربية الوطنية في المغرب، أشبه بحقيبة ملغومة من القنابل العنقودية، وخيار تسليمها لن تحسمه نقاشات جانبية في المقاهي تؤطرها مصالح فئوية أو حزبية أو غيرها من الخطابات المتعددة والمتنافرة، إننا أمام حقيبة تدبر قطاعا مجتمعيا حيويا، ويحمل في طياته الغاية في الرقي الفكري والعلمي للمغرب، والذي هو عماد لكل تنمية ونهضة منشودة، لهذا جاء القرار الحكيم من صاحب الجلالة الملك محمد السادس في تزكية وتكليف السيد سعيد امزازي بتدبير أمور وزارة التربية الوطنية وما يليها من قطاعات مرتبطة بها، وباسم الحركة الشعبية.
ولأن اختيارات جلالة الملك كانت دائما اختيارات سديدة، فقد أثبت السيد الوزير وفي غضون ثلاث سنوات قياسية أنه يستحق الثقة المولوية التي حظي بها.
سعيد أمزازي انتقل من رئاسة جامعة محمد الخامس وهي إدارة مرموقة تستوجب نمطا من التسيير الفكري والعملي بمرجعية علمية رفيعة، إلى تدبير قطاع متشعب يستلزم أنماطا مختلفة ومتنوعة ومتغايرة ومواكبة، فقطاع حيوي بحجم قطاع التعليم بالمغرب، يحتاج نفسا طويلا من المبادرة والمثابرة والمشاورة.

الوزير أمزازي استطاع أن يجد لوزارته نبضا مستقرا يجمع كل أسلاكها الشائكة والمتشابكة، وأصر على فتح كل الملفات التي كان يخشى السلف من فتحها لأنها مرهقة، وفتح الآفاق للنقاش، النقاش الذي كان إلى عهد قريب يظنه الجميع أصبح مستعصيا ومستحيلا في وزارة التربية الوطنية، لكنه سرعان ما رفع شعار: *المدرسة منبع النبوغ المغربي، والمستحيل في الأصل ليس مغربيا*
هنا تتجلى حكمة الملك في اختياره، وحنكة الوزير في استحقاقه للتكليف الملكي، وقدرة حزب الحركة الشعبية على تقوية صفوفه بكفاءات مغربية ورجالات تستطيع تحمل المسؤولية بضمير مسؤول، ونزعة مغربية تسعى إلى تحقيق النماء والازدهار.
لا مجال اليوم للمزايدة على الوزير الحركي ولا على حزب الحركة الشعبية، فليست الحركة ولا مناضلوها من يبحثون عن مناصب ومكاسب مجانية ومريحة، ولا عن أدوار ثانوية، ولا الارتكان إلى الظل، هم أهل الميدان ومنذ الرعيل الأول، ولذلك اندثرت أحزاب وتناسلت أخرى، وبقيت الحركة حركة شعبية، تقارع الرأي بالرأي، وتقنع وتقتنع، وتفتح هياكلها مشرعة امام كل فكر حر ومتجدد، لا شرط لها إلا الولاء للثوابت والمقدسات المغربية.
ونحن نخط هذه الكلمات، لا بد أن نوضح أن حمل وزارة التربية الوطنية وأعبائها، وملفاتها الشائكة، قد أعيت عديد الوزراء وأجبرتهم على التزام الصمت تارة والفرار أحيانا والاستسلام غالبا، مما شل قطاعات أخرى وعطل مشاريع عديدة، أما اليوم ونحن نصل إلى السنة الثالثة من ولاية وزير التربية الوطنية، قد لا يكفينا المجال لِعَدِّ المسافات التي قطعها الوزير ووفوده المرافقة للوصول إلى كل المدارس في المدن والقرى، والبوادي والمداشر، وفي التل والجبل، حيثما تكون المدرسة يصل الموكب، فتغيرت معالم المدارس ووقعت شراكات واتفاقيات استفادت بموجبها المؤسسات التعليمية من مختلف التجهيزات والموارد المالية وغيرها.
حركية غير معهودة لا ينكرها إلا جاحد، فجاءت بعدها تزكية السيد وزير التربية الوطنية ناطقا رسميا باسم الحكومة، فكان حاضرا هنا في التعليم، وحاضرا هناك للإخبار والتوضيح، فزادت المهمات وتعاظمت، وكبر معها الاشتغال وابان الوزير عن عزيمة تليق بالمغرب والمغاربة.
وجاءت كورونا، هذا الوباء الذي فاجأ العالم، أغلق كل شيء، لكن لم يكن أكبر المتشائمين يتنذرون بإغلاق المدارس، فأغلقت المدارس بالفعل والقوة، لكن الوزير أصر على ربح الرهان ففتح المدارس في المنازل عبر القنوات والمنصات، وتمت تعبئة ما امكن من الموارد الرقمية، ولم يتوقف عن هذا الحد، بل اصر على إنشاء بنك الموارد الرقمية ولا زالت الوزارة وعبر أكاديمياتها ومديرياتها تنتج وعيا منها بأنها بديل استرايجي لا بد من اقتحامه.
وكان من العادي جدا أن تطغى رؤية الوزير على قطاع التعليم العالي دون غيره، باعتباره كان رئيسا لجامعة محمد الخامس، إلا أنه خالف كل التوقعات فانطلق من الأساس وهو إدماج التعليم الأولي في المدرسة العمومية، والذي كان يعتبره البعض غاية صعبة المنال، أما وقد تم تنزيل مقتضياته فقد ألجمت أفواه كثيرة، ولم تعد تمتلك حتى الشجاعة في التتبع والمواكبة، لأن السقف أصبح عاليا والإيقاع ارتفع.
في السنة الثالثة من ولاية السيد الوزير، لا يسعنا إلا ان نرفع له القبعة تقديرا واحتراما، على جهوده المبذولة وهذه مهمته على كل حال، وعلى مواطنته ووطنيته وهذا واجبه في كل الأحوال، وعلى رقي خطابه وتواصله وهذه صفات رجال الدولة ، و إصراره على تأهيل المنظومة التعليمية وهذا ما نأمله ونسعى إليه.
صحيح كما يقول البعض ان السؤال التعليمي حاسم في مستقبل الشعوب لأنه دليل استقلالها وسيادتها، وهذا منطق لا يتجادل فيه اثنان، لكن من بين ما يحقق هذا الطموح هو الانخراط الوطني والجاد، وفهم منطلقات وتوجهات الاوراش الكبرى، والصدق في تثمين المبادرات، وليس استبطان المكر في تبخيس الجهود المبذولة، والتي لا تخفى على أحد، فدينامية وزارة التربية الوطنية في عهد السيد الوزير سعيد أمزازي، دينامية غير معهودة، وتخطيط استراتيجي، تزكيه اللقاءات الجهوية والزيارات المتتالية، والتي لا شك ستصدح بمخرجاتها في الأمد القريب.
وختاما فكل الخرجات الساعية إلى تبخيس استراتيجية السيد الوزير، ومعه الحركة الشعبية، عملا بمقولة ضرب عصفورين بحجر واحد، ليس إلا شطحات سياسوية تفرضها الحملات الانتخابية السابقة لأوانها، وهذا مبلغ المتربصين بالموسم، فلا الضرب من شيم العقلاء، ولا اصطياد العصافير شأن الحكماء، فالميدان هو الحكم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك