رشيدة الجوهري.. أنامل تصوغ الحلم وألوان تحاكي الروح
✍️هند بومديان
من قلب الدار البيضاء، تنبثق لوحات رشيدة الجوهري كما تتفتح أزهار الربيع على مهل، لكنها لا تنبت من فراغ، بل من جذور ضاربة في عشق الجمال وعمق التجربة الإنسانية. فالفن عند رشيدة ليس هواية عابرة ولا بحثًا عن مجدٍ عابر، بل هو مسار حياة ابتدأ منذ نعومة أظافرها حين كانت تقلّد رسومات والدتها، وتشاركها كتب التلوين بشغفٍ طفولي نما ليصبح هوية وتعبيرًا ذاتيًا عن الأحاسيس والتقاليد والأصالة المغربية.
رشيدة لم تكتفِ بالموهبة، بل طلبت العلم لتصقلها. في عام 1998، اختارت طريق التكوين الأكاديمي داخل المركبات الثقافية، رغم أن تلك البرامج كانت موجهة للأطفال، إلا أنها فتحت لنفسها ولمن حولها بابًا جديدًا، باب الفن الواعي والمنضبط، بإشراف أساتذة أكفاء من مدارس عليا للفنون. وبعد سنوات من العمل في وزارة المالية، عادت إلى مرسمها بقلب المتفرّغ وأصابع لا تزال تنبض بالحياة، لتغوص في عوالم الواقعية والانطباعية والتجريد، مخلصة للتفاصيل والرسائل الكامنة خلف كل ضربة فرشاة.
لوحات رشيدة لا تُبنى إلا في صمت. فخلف كل عمل لحظة صفاء وتأمل داخلي، حيث تختار المقاس بعناية، والألوان بعاطفة، والتقنيات بدقّة. تميل للصّباغة الزيتية لما تمنحه من حرية وعمق تعبيري، وتحاول أن تكون كل لوحة صدىً لحالة شعورية، أو احتفاءً برمز من رموز الأصالة المغربية.
شاركت رشيدة في معارض عديدة داخل المغرب وخارجه، لكن تجربتها في لندن شكّلت علامة فارقة، حيث نالت الميدالية الفضية في مسابقة دولية، وهو تتويج لموهبة ظلت لسنوات طويلة تحفر مسارها بهدوء وثبات. أما داخل الوطن، فالمعارض التي نظمتها هند بومديان تمثل بالنسبة لها محطات احترافية ذات طابع خاص، لما جمعته فيها من فن وذوق ورقي في التنظيم.
تؤمن رشيدة بأن الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة تهذيب وعلاج للنفس، ورسالة تربوية تسمو بالذوق العام، ولهذا لا تتردد في تكوين المتقاعدين بالجمعيات، لتمنحهم فسحة من الإبداع بدل الفراغ. وبرغم غياب الدعم المؤسسي، فإنها مستمرة في الحلم، وفي طليعته إقامة معرض فردي فاخر يليق بلوحاتها.
الفنانة التي تفتتن بمراكش وألوانها وناسها البسطاء، لا ترى في الفن مجرد متعة بصرية، بل أداة حضارية وتربوية يمكن أن تغيّر المجتمع نحو الأفضل، فقط لو آمن به الناس، ومنحوه ما يستحق من تقدير.
رشيدة الجوهري.. فنانة عصامية، ترسم لا لتملأ الجدران، بل لتمنح الأرواح بعضًا من الأمل، وبعضًا من الحنين، وكثيرًا من الجمال.
تعليقات ( 0 )