أكاوْن عبد الرحمن.. حين تتمرد الألوان على المألوف وتتنفس الروح الأمازيغية
✍️ هند بومديان
في قلب الجنوب المغربي، وتحديدًا من تالوين بإقليم تارودانت، وُلدت موهبة فنية صقلتها الفطرة وغذّاها عشق الجمال، لتتحول إلى بصمة متفرّدة في عالم الفن التشكيلي. إنه الفنان أَكاوْن عبد الرحمن، المعروف فنيًا باسم “أكاوْن”، والذي اختار أن يعبّر عن رؤيته للعالم من خلال الألوان والرموز المستوحاة من عمق الثقافة الأمازيغية.
بدأت رحلته مع الفن منذ ثمانينيات القرن الماضي، غير أن التحول الحقيقي جاء في أواخر التسعينيات، حين شعر أن انتماءه لهذا العالم لم يكن خيارًا بل نداء داخليًا. لم يتلقَ تكوينًا أكاديميًا، بل اعتمد على موهبته الفطرية التي لازمته منذ الطفولة، لتكون دليله في مسار عصامي لا يخلو من التحديات والانتصارات.
تأثر أكاون بالمدرسة التجريدية، وخصوصًا بالراحل الفنان الزين، غير أنه لم يقف عند حدود الاقتداء، بل صاغ أسلوبه الخاص القائم على التمرد على الألوان الكلاسيكية، والميل الدائم للتجريب، مستعملًا موادًا طبيعية مثل الحناء، الزعفران، والخشب. بالنسبة له، الطبيعة ليست فقط مصدر إلهام، بل موطن أول وأخير.
تعكس أعمال أكاون رسالة فنية وثقافية عميقة، تحمل في طيّاتها رموزًا أمازيغية وصدىً لتجارب إنسانية ذاتية، تتجلى بوضوح في لوحاته التي تشكّل مرآة لصفائه النفسي ولحظات تأمله التي ترافقها أنغام ناس الغيوان. ومن أبرز ما يعتز به، لوحة بالأبيض والأسود أنجزها خلال فترة الحجر الصحي، والتي يعتبرها أقرب أعماله إلى قلبه.
مسيرته الفنية، رغم اعتمادها الكلي على الجهد الذاتي، لم تكن خالية من التقدير، فقد عرض أعماله أول مرة بشكل عفوي ضمن حفل زفاف، لتتوالى المشاركات لاحقًا في فعاليات وطنية، أبرزها: معرض عيد الحب، فعالية “هندا بلانكا”، ومهرجان ثقافي دولي حضره سفراء وجمهور واسع. كما كانت له تجربة دولية مهمة بمعرض بالإسكندرية، كانت بمثابة انفتاح جديد على جمهور يُقدّر الفن.
يرى أكاون أن قصبة تالوين تشكل مصدر إلهام دائم له، وأن الفن المغربي له صيت عالمي، لكنه يأسف لغياب التقدير الكافي داخل الوطن، ما يعرقل تسويق اللوحات ويحدّ من الحضور المحلي للفن. ورغم هذا، لم يتوقف عن الحلم، إذ يطمح لامتلاك معرض فني خاص به، وأن يعرض أعماله يومًا ما في المتحف الوطني بالرباط، وفي أحد المتاحف الإيطالية المرموقة.
بالنسبة له، لا يقاس الفن بالمال، بل بالمحبة التي ترافقه، لذا يفضّل الإهداء على البيع. وهو يرى أن الفن التشكيلي ليس فقط وسيلة للتعبير، بل طريق للارتقاء بالوعي والروح، ونصيحته لكل فنان ناشئ هي: الاستمرارية والمثابرة هما السلاح الأقوى للفنان الحقيقي.
بهذه الروح الحرة، وبريشة لا تعرف القيود، يواصل أكاون عبد الرحمن رسم طريقه، مؤمنًا بأن الفن الحقيقي لا يموت، بل يظل خالدًا في تفاصيل لوحاته وفي قلوب من يقدّرون الجمال الصادق.
تعليقات ( 0 )