مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحسن المرابطي
في خطوة استراتيجية تؤشر على تحول نوعي في علاقات الشراكة بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة، أعلنت هيئة التمويل التصديري البريطانية (UK Export Finance) عن استعدادها لدعم مشاريع تنموية كبرى في الصحراء المغربية بقيمة تصل إلى 5 مليارات جنيه إسترليني، ما يعادل حوالي 63 مليار درهم مغربي.
هذا الإعلان، الذي جاء على هامش زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى الرباط، يكرس موقع الأقاليم الجنوبية كمحور استثماري واعد ويعكس ثقة بريطانيا في الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي تشهده هذه المناطق تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس.
يمثل هذا التوجه البريطاني أكثر من مجرد ضخ استثمارات؛ فهو يعكس رؤية استشرافية لبريطانيا في مرحلة ما بعد “البريكسيت”، تتطلع فيها لندن لتعزيز حضورها في إفريقيا عبر بوابة المغرب، الذي بات يُنظر إليه كـ”محور استراتيجي” للربط بين أوروبا، إفريقيا جنوب الصحراء، وأمريكا اللاتينية.
وتنخرط بريطانيا في هذه الرؤية عبر تبني مقاربة براغماتية تدعم فيها مبادرة الحكم الذاتي المغربية لسنة 2007، واصفة إياها بـ”الحل الواقعي والمستدام” لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء، وهو ما يضع الأسس السياسية الضرورية لتوسيع الشراكة الاقتصادية والتجارية.
من المرتقب أن تشمل هذه الاستثمارات البريطانية عدداً من القطاعات الحيوية، أبرزها:
الطاقات المتجددة: خاصة مشاريع الطاقة الشمسية والريحية في جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب، في إطار التحول الطاقي نحو الهيدروجين الأخضر، حيث أبدت شركات بريطانية اهتمامًا خاصًا بمشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر.
البنية التحتية: تمويل موانئ كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وشبكات النقل والربط الطرقي والسككي، وهو ما سيسهم في تعزيز الربط بين الصحراء والمراكز الاقتصادية في شمال المغرب، ويؤهل الأقاليم الجنوبية لتصبح منصة لوجيستية إفريقية.
الاقتصاد الأزرق والصيد البحري: مشاريع تنموية لتحسين وتثمين الموارد البحرية الغنية في المنطقة، من خلال تطوير بنيات الاستقبال، والمعالجة، والتصدير.
التعليم والتكوين المهني: إحداث مراكز للتكوين في المهن الصناعية والرقمية الموجهة للشباب الصحراوي، بشراكات بريطانية مغربية في مجال المناهج والتأطير.
السياحة البيئية والثقافية: الاستثمار في خلق وجهات سياحية مستدامة تعتمد على التراث الثقافي الحساني والمناظر الطبيعية الصحراوية.
يمثل هذا الانخراط الاستثماري بداية لعهد جديد من التعاون جنوب-جنوب وشمال-جنوب، حيث يسعى البلدان إلى بلورة نموذج شراكة رابح-رابح، مبني على تبادل المصالح، والاحترام المتبادل، ودعم الاستقرار والتنمية المشتركة.
وبالنظر إلى التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه العالم، تسعى بريطانيا من خلال هذا التوجه إلى تنويع شراكاتها الدولية وضمان أمنها الطاقي والغذائي، بينما يطمح المغرب إلى استقطاب رؤوس الأموال والخبرة التكنولوجية البريطانية، بما يسهم في تحقيق رؤية 2035 للتنمية المستدامة.
إن الاستثمار البريطاني في الصحراء المغربية ليس فقط تأكيدًا على سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل هو أيضاً اعتراف عملي بالأمن والاستقرار الذي تنعم به المنطقة، وتقدير للدينامية التنموية التي حولت الصحراء إلى قطب جذب استثماري.
وتُعد هذه الخطوة مقدمة لمرحلة جديدة من العلاقات المغربية البريطانية، عنوانها “الشراكة الذكية” وغايتها المساهمة في بناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا في ضوء التحديات العالمية.
تعليقات ( 0 )