إسرائيل تضرب إيران: مغامرة محسوبة أم هروب إلى الأمام؟

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر

 

الشرق الأوسط على حافة صفيح ساخن

 

في تصعيد مفاجئ أعاد خلط أوراق المنطقة، نفّذت إسرائيل خلال الساعات الماضية ضربات عسكرية دقيقة ضد أهداف داخل العمق الإيراني، أبرزها منشأة نطنز النووية في أصفهان، إلى جانب مواقع في تبريز يُعتقد أنها على صلة بالبرنامج النووي الإيراني. العملية التي تمّت بطائرات مسيرة وصواريخ موجهة تحمل أكثر من رسالة، وتطرح أكثر من سؤال: هل هو تصعيد محدود للردع، أم بداية لمواجهة إقليمية واسعة قد تغيّر ملامح الشرق الأوسط؟

 

ضربات دقيقة برسائل واسعة

 

الهجمات الإسرائيلية الأخيرة لم تكن فقط عمليات عسكرية معزولة، بل رسائل نارية موجهة إلى الداخل الإيراني والمجتمع الدولي معاً. اختيار منشأة نطنز تحديداً، أحد أعمدة البرنامج النووي الإيراني، يرمز إلى استهداف القدرات الاستراتيجية الإيرانية في العمق. ورغم تأكيد طهران على محدودية الأضرار وعدم وقوع تسرب إشعاعي أو إصابات بشرية، إلا أن الصدمة كانت واضحة في الإعلام والسياسة الإيرانية.

 

من ناحية أخرى، فإن هذه الضربات تُظهر مجدداً قدرة إسرائيل الاستخباراتية والتكنولوجية على الوصول إلى أهداف دقيقة داخل الأراضي الإيرانية، ما يعكس رغبتها في إعادة تعريف معادلة الردع التي كانت إيران تحاول فرضها عبر حلفائها ووكلائها.

 

أهداف إسرائيل: ما بين الحرب والتمويه

 

من الواضح أن لإسرائيل أهدافاً متشابكة من هذا التصعيد:

 

عسكرياً: تقليص قدرات إيران الصاروخية وتعطيل تقدمها النووي، واختبار الدفاعات الجوية الإيرانية.

 

سياسياً: تحويل الأنظار العالمية عن الوضع الكارثي في غزة، حيث تواجه إسرائيل اتهامات دولية بارتكاب جرائم إبادة، وسط غضب شعبي عالمي متصاعد.

 

إعلامياً واستراتيجياً: استغلال التهديد الإيراني لإعادة تقديم نفسها كـ”دولة تدافع عن أمن المنطقة”، بدل أن تظهر كقوة تمارس عدواناً مدمّراً ضد مدنيي غزة.

 

 

وهنا تبرز نقطة دقيقة: هل تسعى إسرائيل لتحويل مسار النقاش العالمي من المجازر في غزة إلى “خطر نووي” مزعوم؟ يبدو أن هذه المناورة ليست بعيدة عن حساباتها، خصوصاً في ظل تآكل الدعم الدولي لها مؤخراً.

 

الرد الإيراني: حذر من الانزلاق

 

إيران، من جانبها، وجدت نفسها أمام معادلة معقدة: الرد المباشر قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة شاملة، وهو سيناريو لا يناسبها في الظرف الراهن، نظراً للأوضاع الاقتصادية الخانقة في الداخل، والحرص على تجنّب مزيد من العزلة الدولية. لذلك، تبقى الخيارات المطروحة أمامها:

 

رد مباشر ومحسوب، عبر ضربات صاروخية على أهداف إسرائيلية.

 

رد غير مباشر من خلال تفعيل حلفائها (حزب الله، الحوثيون، الحشد الشعبي).

 

رد رمزي من خلال الحرب السيبرانية والتصعيد الدبلوماسي.

 

 

وقد سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن صرح بأن “إيران ستُجبر على تقديم تنازلات كثيرة لتفادي الضربة الإسرائيلية”، في إشارة إلى ما يبدو أنه استراتيجية خنق متعدد الأبعاد: عسكري، اقتصادي، وسياسي.

 

السياق الداخلي الإسرائيلي: مفارقة القرار

 

اللافت في هذا التصعيد أن إسرائيل ليست في أفضل حالاتها الداخلية. فهي تخوض حرب استنزاف مفتوحة في غزة، تواجه أزمة اقتصادية خانقة، واحتجاجات شعبية متزايدة، بل وتسجيل حالات تمرد ورفض بعض الجنود الانخراط في العمليات العسكرية. فهل من المنطقي لدولة في هذا الوضع أن تُقدم على فتح جبهة جديدة مع قوة كبرى مثل إيران؟

 

هذا يجعل الضربات تبدو كأنها مقامرة استراتيجية، أو حتى محاولة للهروب إلى الأمام وتصدير الأزمة الداخلية للخارج. وقد لا يكون الهدف الحقيقي هو تفجير حرب شاملة، بل مجرد تسجيل “نصر وهمي” على مستوى الصورة والإعلام.

 

الدعم الخارجي: من يمول الحرب؟

 

رغم ما سبق، فإن القدرة الإسرائيلية على تنفيذ مثل هذه العمليات لا يمكن فصلها عن الدعم الخارجي الكبير الذي تتلقاه، وعلى رأسه من الولايات المتحدة، التي تقدم دعماً مالياً وعسكرياً واستخباراتياً سخياً. كما أن بعض القوى الغربية والإقليمية ترى في ضرب إيران مصلحة مشتركة، ما يفتح المجال أمام دعم خفي أو تغاضٍ سياسي يوفّر لإسرائيل مظلة إضافية للتحرك.

 

المواقف الدولية: قلق… ولكن

 

المجتمع الدولي ينظر إلى هذا التصعيد بكثير من القلق. فـالولايات المتحدة تحاول لعب دور مزدوج: دعم حليفها التقليدي إسرائيل، مع الحرص على تجنّب حرب شاملة في المنطقة. بينما دعت روسيا والصين إلى ضبط النفس وتجنّب إشعال فتيل مواجهة قد لا تُحمد عقباها. أما الدول العربية، فمواقفها تتسم بالحذر الشديد، خوفاً من امتداد التوتر إلى ساحات داخلية هشّة.

 

ختاماً: الشرق الأوسط أمام مفترق تاريخي

 

سواء كانت هذه الضربات خطوة تكتيكية محدودة أو بداية لانزلاق كبير، فإن المؤكد أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة غموض استراتيجي غير مسبوقة. فهل تستطيع القوى الكبرى احتواء الأزمة، أم أن المنطقة تتجه فعلاً نحو تحول جذري في خرائط الصراع والتحالفات، كما حذّر سابقاً دونالد ترامب حين قال: “الشرق الأوسط لن يبقى كما هو”؟

 

الأسابيع المقبلة قد تحمل الجواب، لكنها بلا شك ستُرسم بالنار والدم والمفاجآت.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)