مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب شباط
توصلت المملكة المتحدة وإسبانيا وجبل طارق وممثل الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى اتفاق تاريخي يسمح لجبل طارق بالحفاظ على وضعه داخل الاتحاد الأوروبي، كما كان قبل خروج بريطانيا من الاتحاد في عام 2020.
تجدر الإشارة إلى أن سكان جبل طارق كانوا قد صوتوا بنسبة 96% ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
هذا الجيب الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 6.8 كيلومترات مربعة، كان ولا يزال محور صراع ونزاع دبلوماسي بين إسبانيا والمملكة المتحدة منذ أكثر من ثلاثة قرون، حين تنازلت إسبانيا عن سيادته لصالح التاج البريطاني في عام 1713 بموجب معاهدة أوترخت، مع شرط أساسي مفاده أنه إذا أرادت المملكة المتحدة التخلي عن السيادة على هذه الصخرة، فعليها أن تعرضها أولاً على إسبانيا.
لكن خلال العقود الماضية لم تتوانَ إسبانيا عن المطالبة باستعادة السيادة على هذه الأراضي التي تعتبرها امتدادًا طبيعيًا لجغرافيتها، في حين ترفض المملكة المتحدة هذا الطرح بشكل قاطع. وفي المقابل، عبّر سكان جبل طارق في مناسبات متعددة عن تمسكهم بالبقاء تحت السيادة البريطانية، وأكدوا هذا الموقف في استفتاءين، عام 1967 وعام 2002، حيث صوت أكثر من 99% برفض تقاسم السيادة مع إسبانيا.
ورغم صغر حجمه يتمتع جبل طارق بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة. فهناك قاعدة عسكرية بريطانية مهمة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، ويعتمد اقتصاده على الخدمات المالية، والسياحة، وألعاب الإنترنت. وتتهم إسبانيا حكومة جبل طارق بممارسات ضريبية غير عادلة، وتقول إنها تؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي لإقليم قادس.
إنها أرض صغيرة لكنها تختزل قرونًا من التاريخ، وقضية شديدة الحساسية والرمزية بالنسبة إلى البلدين.
الاتفاق الرباعي الأخير يسمح بإلغاء عمليات التفتيش عند المعبر الحدودي بين جبل طارق ومقاطعة لا لينيا الإسبانية، مما سيضع حدًا نهائيًا “للسياج الحدودي”، وسينعكس إيجابيًا على أكثر من 15 ألف عامل إسباني يعبرون الحدود يوميًا.
التفتيش الحدودي سينتقل إلى ميناء ومطار جبل طارق، وسيُنفذ بشكل مشترك مع الشرطة الإسبانية التي ستتولى مهام تمثل الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على حدود شنغن. وتُعد هذه النقطة من المكاسب المهمة التي حصلت عليها إسبانيا خلال المفاوضات.
في المقابل، يرى حزب المحافظين البريطاني أن مشاركة الشرطة الإسبانية تمثل مساسًا بالسيادة الوطنية على جبل طارق، ما دفع الحكومة البريطانية للتوضيح بأن دور الشرطة الإسبانية سيكون شبيهًا بدور الشرطة الفرنسية في محطة “سانت بانكراس” بلندن، التي تنطلق منها قطارات “يوروستار” إلى باريس.
فيما يتعلق بنقل البضائع، ينص البيان المشترك للاتفاق على وضع مبادئ تؤسس لاتحاد جمركي مستقبلي بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق، يتجاوز مجرد إلغاء التفتيش على البضائع، ويتضمن تفعيل الضرائب غير المباشرة، خصوصًا على التبغ، الذي يُعد أكثر المواد تهريبًا من جبل طارق إلى إسبانيا.
ومع ذلك لا تزال هناك نقاط خلافية عالقة بين إسبانيا والمملكة المتحدة، خصوصًا فيما يتعلق بالاستخدام المشترك لمطار جبل طارق، ومكافحة غسيل الأموال، وحقوق العمال العابرين للحدود في مجال الضمان الاجتماعي.
وصول حزب العمال البريطاني إلى السلطة سهل التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي، في إطار رغبة الحكومة في العودة إلى أوروبا دون العودة الرسمية إلى الاتحاد الأوروبي، وتهيئة الطريق لاتفاق أوسع مع الاتحاد قد تستفيد منه المملكة المتحدة مستقبلًا.
تعليقات ( 0 )