مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
في عالمٍ تُرفع فيه رايات القوة، وتُهدر فيه الثروات على سباقات التسلح، تبقى الحروب الوجه الأكثر سواداً في مسيرة البشرية. لا تترك الحرب خلفها سوى الرماد، ولا تجلب إلا الخراب والمعاناة. كم من مدينةٍ كانت تنبض بالحياة، أصبحت اليوم أثراً بعد عين، وكم من أُسرٍ كانت تعيش في دفء الاستقرار، مزّقتها النكبات وسُلب منها الأمل.
رغم ما يُروّج من “انتصارات” عسكرية، تبقى الحقيقة أن الحرب لا تُفرّق بين منتصر ومهزوم، فالدم يدفعه الجميع. المنتصر يذرف أبناءه على الجبهات، ويستنزف اقتصاده، ويُشتّت نسيج مجتمعه، أما المهزوم فيُسحق تحت الأنقاض، ويُقاد نحو التشريد والفقر. والكارثة تتعدى الخسائر المادية لتبلغ كرامة الإنسان، التي تُهان، وأحلامه، التي تُسحق تحت جنازير الدبابات .
حين تشتعل الحرب لا تسأل النيران عن هوية الضحية. الأطفال يفقدون براءتهم، النساء يُجبرن على مواجهة العوز، والعائلات تُقتلع من جذورها. المدارس والمستشفيات تتحول إلى ركام، والبنى التحتية التي بُنيت في عقود تنهار في أيام. النتيجة: مجتمعاتٌ مكسورة، وأجيالٌ مثقلة بجراحٍ يصعب أن تندمل.
وبين هجومٍ هنا وردٍ هناك، وبين التباهي بتدمير منشأةٍ والرد العنيف بقصف بنايات، يبقى الضحايا الحقيقيون هم الأبرياء: أطفالٌ ونساء، وشيوخٌ وعائلات تُفجع دون ذنب. كما تُسحق في الطريق أحلامُ مدنٍ ومجتمعاتٍ بُنيت على مدى سنوات، لتهدمها صواريخٌ لا تُعيد ما دُمّر، ولا تُداوي ما كُسر.
ورغم فرحة البعض بمشهد قصف جهةٍ معينة، وفرحة آخرين بردّ الضربة على الجهة المقابلة، تبقى القلوب في العمق حزينة، منهكة، وممزقة بين ألم الفقد وهول المشهد. إنها ليست فرحة نصر، بل فرحة بالأسى، تُخفي خلفها دموعاً لا يراها إلا من تجرّع مرارة الحروب.
فلا تفرحوا كثيراً ولا تصفقوا للقصف ولا للرد، لأن الموت لا يعرف لون العلم، والدم لا يحمل هوية… فالدمار هو النتيجة الحتمية، والحروب لا تخلّف وراءها سوى الخسائر والندم.
رغم قسوة المفاوضات وطول مسار الحوار، إلا أن التاريخ يُثبت أن السلام هو السبيل الوحيد للنهوض. دولٌ مزقتها الحروب استطاعت أن تتعافى عندما اختارت طريق الحكمة والتفاهم. أما العنف، فلا يولّد إلا مزيداً من العنف، في دوّامة لا تنتهي من الكراهية والانتقام.
الحرب ليست بطولة بل مأساة ضحيتها الإنسان. آن الأوان لنُطفئ نيران الصراع، ونزرع مكانها بذور التسامح والتعايش. فلنستثمر في التعليم والتنمية والوعي، لأن المجد الحقيقي لا يُصنع بالدم، بل بالعقل والإرادة والضمير.
“في النهاية سيُكتب اسمك إما في سجلّ الهدم أو البناء… فاختر إرثك.”
تعليقات ( 0 )