اتفاقية شراكة جديدة لتعزيز الصحة النفسية والعقلية بالمغرب

متابعة فاطمة الحرك

لا شك أن رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب تواصل مسارها بثبات، باحثة عن آفاق جديدة لتوسيع مجالات التعاون وتطوير المعرفة. فالرابطة تنطلق من قناعة راسخة بأن الصحة النفسية ليست مجرد قطاع مهني، بل قضية وجودية تمس كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم، وأنها لا يمكن أن تزدهر إلا عبر شراكات حقيقية وفاعلة.

وفي هذا السياق، جاء توقيع اتفاقية شراكة وتعاون مع HB International Institute، تعبيرًا عن إرادة مشتركة ورؤية واضحة هدفها الأسمى هو الارتقاء بالتكوين، وتبادل الخبرات، وبناء مسار جديد يضع الإنسان في قلب الاهتمام. هذه الاتفاقية ليست مجرد إجراء بروتوكولي يُضاف إلى رصيد الرابطة، بل هي مشروع استراتيجي عميق يجمع بين البعد العلمي والبعد الإنساني.

تفتح هذه الاتفاقية المجال أمام برامج تكوينية متخصصة، ولقاءات علمية مشتركة، وأبحاث ميدانية تطبيقية، تُتيح للأطر الطبية والنفسية الانفتاح على أحدث المناهج الدولية، وفي الوقت ذاته تقديم التجربة المغربية كقيمة مضافة في المشهد العلمي العالمي. وبذلك يتم الجمع بين المحلي والكوني، بين ما هو وطني راسخ وما هو عالمي متجدد.

القيمة المضافة لهذه الشراكة تكمن في تركيزها على التكوين المهني المتين، باعتباره أساس أي ممارسة مسؤولة. فالأطباء والأخصائيون النفسيون سيستفيدون من برامج تجمع بين العمق النظري والدقة التطبيقية، بما يمكّنهم من امتلاك أدوات مهنية عالية الجودة، قادرة على مواكبة مختلف السياقات: في المستشفيات التي تستقبل حالات معقدة، في المؤسسات التعليمية التي تحتضن الأجيال الصاعدة، أو في المراكز الاجتماعية حيث تبرز الحاجة الملحة إلى الدعم النفسي والإنساني. وهو ما سيسهم في تكوين جيل جديد من الكفاءات الوطنية، أكثر قدرة على مواجهة التحديات، وأكثر وعيًا بعمق رسالته.

تجسد هذه الاتفاقية أيضًا البُعد الدولي الذي تسعى إليه الرابطة منذ تأسيسها، إدراكًا منها أن قضايا الصحة النفسية والعقلية عابرة للحدود، وأن معالجتها تتطلب تضافر الجهود وتبادل التجارب والانفتاح على مختلف أشكال التعاون الممكنة. ومن خلال هذه الخطوة، تؤكد الرابطة حرصها على جعل الشراكة نموذجًا للتعاون الدولي البناء، ورافعة حقيقية لإنتاج المعرفة وتبادل الخبرات، بما يخدم الإنسان في شموليته، بعيدًا عن الحواجز الجغرافية أو الثقافية.

ولأن الرابطة تؤمن أن العمل الجاد لا يُختزل في المناسبات أو الشعارات، فإنها تشدد على أن هذه الاتفاقية ليست محطة عابرة، بل بداية مسار طويل لترسيخ ثقافة التعاون العلمي والمهني، ولتدشين مرحلة جديدة من العمل المشترك المبني على المسؤولية والريادة. فالصحة النفسية ليست ترفًا فكريًا أو شأنًا ثانويًا، بل هي ركيزة أساسية من ركائز التنمية الإنسانية والمجتمعية، وضمانها واجب مشترك يستدعي انخراط الجميع: أطباء وأخصائيين ومؤسسات ومجتمع مدني، على المستويين الوطني والدولي.

وبتوقيع هذه الاتفاقية مع HB International Institute، تُعلن الرابطة عن انطلاقة مرحلة جديدة من حضورها العلمي والمهني، وفاءً لرسالتها الكبرى: البحث الدائم عن الجديد، والإصرار على أن تكون الصحة النفسية في صدارة الاهتمام. فهي ترى أن بناء مستقبل أفضل لا يتحقق إلا عبر إنسان متوازن، ينعم بكرامته وحقوقه داخل مجتمع أكثر عدلًا وإنصافًا.

إنها خطوة تُضاف إلى مسار طويل تسعى من خلاله الرابطة إلى جعل الصحة النفسية والعقلية قضية وطنية ودولية وحقًا غير قابل للمساومة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)