البشير الخريف
ينتظر أن يشكل الخطاب الملكي السامي الذي سيلقيه جلالة الملك محمد السادس، يوم الجمعة المقبل، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، محطة سياسية بارزة تحمل رسائل وتوجهات استراتيجية للمرحلة المقبلة. فكل خطاب ملكي في افتتاح السنة التشريعية يمثل، في العادة، بوصلة لتصحيح المسار الحكومي وتوجيه السياسات العمومية نحو أولويات أكثر وضوحاً وواقعية.
ويأتي هذا الخطاب في سياق وطني يتسم بانتظارات اجتماعية واقتصادية متزايدة، وظرفية دولية متقلبة تتأثر بها المملكة بشكل مباشر، سواء على مستوى التحديات الجيوسياسية أو تداعيات الأوضاع الاقتصادية العالمية. لذلك، فإن الخطاب المرتقب ينتظر أن يحمل رؤية شمولية تعيد ضبط إيقاع العمل الحكومي وتمنح دفعة جديدة لمشاريع الإصلاح الكبرى التي أطلقها المغرب خلال السنوات الأخيرة.
في مقدمة هذه الأوراش، يبرز ورش الحماية الاجتماعية الذي يعد من أهم المشاريع الاجتماعية في عهد جلالة الملك، والذي دخل مرحلة دقيقة تتطلب تسريع وتيرة التنزيل، وضمان العدالة في الاستفادة، خاصة في الشق المتعلق بتعميم التغطية الصحية وتحسين جودة الخدمات الطبية. ومن المرجح أن يتوقف الخطاب عند الاختلالات التي تعيق تنفيذ هذا الورش، خصوصا ما يتعلق بإغلاق عدد من المستشفيات الجاهزة وندرة الأطر الصحية، وهو ما خلق موجات احتجاجية في بعض المناطق تطالب بتدخل عاجل.
كما يرتقب أن يتناول الخطاب الملكي ملف التعليم باعتباره رافعة أساسية لبناء مغرب المستقبل. فبعد انطلاق تجربة مدارس الريادة، ينتظر أن يوجه جلالة الملك الحكومة إلى التركيز على جودة التعليم، والحد من الفوارق المجالية في الولوج إلى المدرسة العمومية، وربط الإصلاح التربوي بسوق الشغل ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما على الصعيد السياسي، فمن المنتظر أن يعيد الخطاب الملكي التذكير بضرورة الارتقاء بالممارسة البرلمانية إلى مستوى انتظارات المواطنين، من خلال ترسيخ ثقافة المسؤولية وربطها بالمحاسبة، وضمان انخراط فعال للبرلمان في تتبع وتقييم السياسات العمومية.
وفي الجانب الخارجي، من غير المستبعد أن يتضمن الخطاب إشارات قوية إلى مستجدات القضية الوطنية، في ظل التحولات التي تعرفها المواقف الإقليمية والدولية من قضية الصحراء المغربية، والتأكيد على مواصلة نهج الحزم والواقعية الذي يطبع الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن وحدتها الترابية. خاصة في ضل الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء.
إن خطاب افتتاح الدورة البرلمانية لا يعد مجرد تقليد دستوري، بل هو حدث سياسي بامتياز، يترقبه المغاربة باعتباره مرجعا لتحديد أولويات المرحلة المقبلة، ومرآة لتوجهات الدولة في ظل التحديات المتعددة. لذلك، فإن الأنظار كلها تتجه إلى قبة البرلمان، في انتظار مضامين خطاب ملكي يتوقع أن يكون حاملا لإشارات الإصلاح، ومعبرا عن إرادة ملكية قوية لتجديد النفس التنموي والاجتماعي للمملكة.
تعليقات ( 0 )