مُلتَحِفًا عَباءَةَ الوَقت
لمياء.أ.و.الدويهي .لبنان
إِزاءَ الوقت يَقفُ الحُبُّ، أَحيانًا مُنتظرًا وأَحيانًا عاجزًا وأَحيانًا صامتًا وأَحيانًا مُندَفعًا وأَحيانًا… مُتواريًا… يَتفاعلُ بينَ روحٍ وأُخرى، يَهمِسُ من عُمقٍ لآخر، يُشيرُ إلى ذاتِهِ المُتفاعِلةِ بَينَ اثنَين أَو حتَّى في مُختلِفِ العِلاقاتِ الإِنسانيَّة… إلاَّ أنَّ أَساليبَ الحَياةِ المُتفاوتةَ بَينَ النَّاسِ والمُتَشعِّبةَ في الأفكار، حَدَتْ إلى أن يكونَ الإلتِقاءُ في «الحُبِّ» نادرًا كي لا نقولَ إِنَّهُ باتَ يُلامسُ المُستحيل… إِنَّ التَّنوُّعَ والاختلافَ، اليوم، يَفتحُ أُفُقًا جَديدةً ومَجالاتٍ لتَفاعُلاتٍ عَديدةٍ وقُدرةً على التَّجدُّدِ والتَّطوُّر، يُحرِّكُ أُمورًا باطنيَّةً مُختلفةَ الأَبعاد والمَضامين ومَدلولاتٍ جَديدةً جَعَلَت الطَّابعَ الخاصَّ بنا، في غالبيَّةِ الأوقاتِ «مُشوَّهًا» كي لا نَقولَ مَفقودًا… إِنَّ كُلَّ هذا «التطوُّرِ»، لا بل كُلَّ هذا الجديدِ لَجَميلٌ، ولَضَروريٌّ، ولهُ نَكهةٌ خاصَّةٌ وعامَّةٌ في الوقتِ عَينِه، لكَونِ الجَميعِ مَشدودًا إِليهِ وغَيرَ قادرٍ على أَن يُفلِتَ من قَبضةِ جاذبيَّتِهِ التي تَسوقُ الكًلَّ نَحوَها بسُرعةٍ ضَوئيَّة…
كُلُّ هذا الجَديدِ الجَميلِ يَستَحقُّ منَّا الثَّناءَ والبَحثَ عن صِفاتٍ مُطابقةٍ له تَفيهِ قيمتَهُ وقَدرَهُ،
إلاَّ أنَّنا قد جَعَلناهُ يَطَغى على الوجودِ وبدلاَ من أَن يكونَ داعِمًا لهُ أَصبَحَ مِحورًا بمَعزلٍ عَنهُ… وما هو خَطيرٌ في هذا كُلِّهِ، أَنَ تَتباعدَ الأهدافُ، وتَنفصلَ المَبادئُ عن نَفسِها، هي التي اختيرَتْ فيما مَضى كمَرجَعٍ وأَساسٍ وثوابت، فتَتَجَزَّأَ وتُصبحَ بلا هُويَّةٍ ومَضمونُها مُتنوِّعًا، مُتقلِّبًا، مُختلفًا، غَريبًا عنَّا، عن حقيقتِنا، عن كَيانِنا، عمَّا هو مُفيدٌ وما هو حَيويٌّ، حَقيقيٌّ، ثابتٌ، واضحٌ، مُكتملُ المَعالمِ والرُّؤيا والأَبعاد، أَخلاقيٌّ، إِنسانيّ…
أَردنا التقاطَ كُلِّ شَراراتِهِ وتَبنِّي كُلِّ ما يَنبَثِقُ عنهُ، فإذا بنا نَتَغَرَّبُ عن ذواتِنا، عن طابِعِنا الفَريد، عن خُصوصيَّةِ كُلٍّ منَّا، عن جُذورٍ تَجمَعُنا، وليس عن عاداتٍ وتَقاليدَ باليةٍ قَيَّدَتِ الإنسانَ ولا تَزالُ، وإنَّما عن ثَوابتَ تَمنَحُ قيمةً لِما نَختارُ أن نَحياه، وبذارٍ نَبذُرُها في حَديقةِ حَياتِنا التي نَشتهي أن تُغنيَ وُجودَنا بما هو مُثمرٌ ومُفيد… لا نَستطيعُ أن نَدَعَ مَعالمَ حَياتِنا تُفلِتُ من أَيدينا لأنَّنا غَفَلنا عن «حالِنا» المُتقلِّبةَ في كيانِنا والتي تَحتاجُ للآخرِ لتكون…
كُلُّ ما يُحيطُ بنا مُريحٌ وضَروريٌ، لكنَّهُ اقتَنَصَ الأَماكنَ وبَدَّلَ في المَرتباتِ والتَّراتُبيَّات؛ ولم يَعُدْ هناك من قاعِدةٍ تُحَدِّدُ الأَولَويَّاتِ وتَحمي من الانتِهاكات… نَتحَدَّثُ عن الأُمورِ نَفسِها، نَطمَحُ للسَّعادةِ الحَقَّة، نَتَعاونُ لتحقيقِها وفي خِلالِ المَسيرة، نَكتشفُ سِعةَ الاختلافِ في المَعاني والمَفاهيم والأَهداف والأَساليب، ويُصبِحُ الآخرُ أكثرَ من غَريب، يُصبحُ وكأنَّهُ من عالمٍ آخر، من كَوكبٍ لم نَكتَشِفْهُ يَومًا، والتَّحرُّرُ منهُ باتَ أمرًا حيويًّا وضروريًّا… فإن كُنَّا غافلينَ عن شؤونِ أَنفُسِنا، فكيفَ سَنُدرِكُ شؤونَ ما هو أَعظمُ وأَسمى منَّا؟… كيف نَتكلَّمُ باسمِهِ، إن كُنَّا إلى الآنَ، لا نعرفُ حتَّى أَن نَضَعَ لتَقلُّباتِنا اسمًا؟… كيف نَدعو إلى عالَمِنا ما هو أَرفعُ منَّا ونحنُ إلى الآن لم نَكتَشفْ سِرًّا من أَسرارِ ذاتِنا الدَّاخليَّة الدَّفينة؟… علمًا أنَّهُ لا ينفكُّ يَنحَدِرُ صَوبَنا بوَداعةِ الحِملان وطَراوةِ زُهورِ الحُقولِ وشَفافيَّةِ نَدى الصَّباح وعُذوبةِ اليَنابيع وصَفاءِ السَّماء ونُعومَةِ نَسائِم الصَّيف، مُرتَديًا عَباءَةَ الوَقتِ لأَجلِنا، يَنتظِرُنا لنَلتَفِتَ صَوبَهُ ونُصغيَ إلى مَنطِقِهِ السَّرمَديّ، عَلَّنا يَومًا ما، حينَ يَقفُ، أَحيانًا مُنتَظرًا وأَحيانًا عاجِزًا وأَحيانًا صامتًا وأَحيانًا مُندَفعًا وأَحيانًا مُتَواريًا، نكونُ قد تَصالَحْنا مع ذَواتِنا فيَخلَعُ تلكَ العَباءَة ويأْتي ليَستقِرَّ عندَنا وبَينَنا وفينا…
١١ /٧ /٢٠١٥
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق