جاري التحميل الآن

كيف نربي ابنائنا ؟

هشام بانور

كثيرا ما يثار سؤال حول كيف نربي ابنائنا ؟ في زمن تعالت فيه صيحات “الحرية الطفولية ” وتعددت فيه النظريات والمفاهيم البيداغوجية , حتى أصبح الواحد منا يحتار في إختيار طرق التربية الصحيحة لأبنائه في خضم التحولات التي تعرفها البشرية والانفتاح الغير المقيد .
لكن المتأمل في جل هذه المدارس البيداغوجية على رغم إختلاف اتجهاتها ومفاهيمها فإنها تبقى دون ما جاءت به الشريعة الإسلامية في حفاوتها بالطفل وحرصها على سلامة نشأه فالإسلام أتى بالكمال الذي يفوق كل تصور بشري محدود أدل بدلوه في هذا المجال فالإسلام اهتم بالطفولة إلى ما قبل وجود الطفل من خلال الانتقاء السليم لمنابع هذه الطفولة فوجه الشاب إلى اختيار زوجة صالحة ذات خلق ودين , فقال النبي صلى الله عليه وسلم “تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” وهنا يرجح الإسلام من مميزات إختيار الزوجة “الدين والخلق ” لأنها بهذه الصفات تكون المؤمونة على حفظ الزوج وكذا الأبناء , وللأسف أن تتغير في عصرنا الحالي هذه المفاهيم وتصبح متجاوزتا لدى الشاب فهو ينظر إلى جمال شريكة الحياة أكثر ما ينظر إلى دينها وخلقها في حين أن مثل هذه الزوجة هي التي يجد معها الرجل السكينة والرحمة لأنها متأصلة على دين وخلق كما جاء في قوله تعالى ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ” الروم 21وكما رواه الترمذي وابن حبان ” الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة “
فسبحان الله الإسلام لا يهيئ السبيل إلى متعة الرجل وسكينته فقط بل يرتب لحفظ حقوق الطفل القادم فالأم المتدينة والمتخلقة هي الجديرة بإنبات أطفال أسوياء تربويا , ولكمال الشريعة الإسلامية لم تقف في حدود توجيه الشباب إلى اختيار الزوجة الصالحة بل حرصت كذالك على توجيه نظر الفتيات إلى اختيار وترجيح صاحب الدين والخلق الفاضل كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض” فالأب المتخلق والمتدين هو النموذج والقدوة لأبنائه فلا توجد تربية بدون قدوة وكما قال الشاعر : ” وينشا ناشئ الفتيان منا على ماكان عوده أبوه”
فكيف يمكن الحديث عن تربية صحيحة ونحن نتجاوز هذه الخطوات السالفة التي رسمتها الشريعة الإسلامية في الإختيار الصحيح قبل عقد “الميثاق الغليظ”إن الشريعة الإسلامية ليست عبثية في تحديد هذا الاختيار الدقيق للزوجين لأن مسؤولية تربية الأبناء لا يمكن تحديدها والتحكم فيها بين يوم وليلة بل هي بناء يلزم تشيده لبنة لبنة , فأبنائنا نعمة ربانية وأشهى ثمرات الحياة إلى الإنسان كما قال عز وجل “المال والبنون زينة الحياة الدنيا ” الكهف الآية 6 لذا كان من مقاصد الزواج الأولى إنجاب الأولاد فبهم يسعد المرء وبهم يحس بلذة الحياة , لذلك كان من قبيل دعاء الأنبياء الذرية الصالحة لقول إبراهيم عليه السلام “ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما” الفرقان 74 فالمتأمل في الشريعة يجدها قد أحاطت بتربية الطفل بدءا من حمل المرأة والرضاعة والحضانة ثم التربية فلم تقتصر الشريعة الإسلامية على الدعوة إلى الرعاية الوجدانية بل تعدت ذلك إلى التكليف كما جاء في قوله تعالى ” والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ” البقرة 233 وقوله جل وشأنه ” وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” البقرة 233 فمن المعلوم أن الرضاعة الطبيعية لها من الايجابيات على صحة الرضيع ما أكدته جميع الأبحاث العلمية فبها ينشأ الطفل سليم الجسم قوية البنية إلى جانب توفير ظروف العيش الكريم وهذا الذي لم تغفل عنه الشريعة السمحة التي اعتبرت أن الطفولة المبكرة من أهم المراحل العمرية , فدعت إلى إحياء فطرة الإسلام في قلب المولود فقال صلى الله عليه وسلم ” كل مولود يولد على فطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” رواه البخاري ومسلم فمن هنا تتبلور أسس التربية السليمة من خلال التربية على التوحيد وإشباع حاجيات الطفل السيكولوجية من لعب وتقدير وحب وأمن واطمئنان وقبول اجتماعي , فإذا ما بلغ الصبي سبع سنين فإننا ندخل بالصبي مرحلة تعويده على الصلاة وان كان من الأفضل تدريبه عليها قبل ذلك قال صلى الله عليه وسلم ” امروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ” فالغريب أن ترى آباء يشتكون من ترك أبنائهم للصلاة أو التقصير في أدائها فالأحرى أن يسأ ل الآباء أنفسهم هل سن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهل اشبع حاجات طفله وقام بتزكية مواهبه بمختلف الرياضات والمهارات ,فإذا كانت الطفولة هي أساس البناء الصحيح لأجيال المستقبل فهي في حاجة إلى غرس وإنبات في السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل ثم التهذيب والتأديب مابين السنة الرابعة إلى السابعة ثم الدخول إلى مرحلة المراهقة المبكرة التي تحتاج إلى أسلوب الترغيب والترهيب بعد الأخذ باللين والحسنى , فمشوار تربية الأبناء يلزمه قواعد مستقاة من الشريعة الإسلامية وهنا دعوة إلى كل من احتار في كيفية تربية أبنائه إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة فهما الحل لتربية سليمة متوازنة وان كنت أرى أن الحاجة أصبحت ملحة الآن في تربية الآباء على كيفية تربية الأبناء وهذا ليس من الغريب إذا كانت الرغبة من الآباء في اكتساب المزيد من المهارات التربوية

المراجع
سورة البقرة الآية 233
سورة الكهف الآية 6
سورة الروم 21
الفرقان 74
صحيح الشيخين البخاري ومسلم
سنن الترمذي وابن حبان

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك