إسبانيا تُضيء الليل بالشمس.. ونموذج “جيماسولار” يُلهم مستقبل الطاقة المستدامة

مع الحدث// لحسن المرابطي 

تمكّنت إسبانيا من تجاوز أحد أبرز التحديات التي تُعقّد التحوّل نحو الطاقة النظيفة: التوليد المستمر للطاقة بعد غروب الشمس. فبفضل محطة “جيماسولار” الشمسية، المزودة بنحو 2650 مرآة شمسية دوّارة تُعرف بـ”الهيليوستات”، أصبح من الممكن توليد الكهرباء على مدار الساعة، حتى في الليل، ما يمثل قفزة نوعية في مجال الطاقة المتجددة.

تعتمد هذه المحطة، التي تعدّ الأولى من نوعها تجارياً على مستوى العالم، على تقنية متقدمة تقوم بتركيز أشعة الشمس على برج مركزي يحتوي على ملح منصهر، ترتفع درجة حرارته إلى أكثر من 900 درجة مئوية. وتُستخدم هذه الحرارة العالية لتوليد بخار يُشغّل توربينات كهربائية، بينما يُخزّن الفائض الحراري في نظام متطور يُمكّن من إنتاج الكهرباء لمدة تصل إلى 15 ساعة إضافية بعد غروب الشمس.

وفق ما نشره موقع “Eco Portal”، تُسجّل المحطة إنتاجاً سنوياً يبلغ 110 جيغاواط/ساعة، مع عدد ساعات تشغيل فعّالة تقارب 5000 ساعة سنوياً، وكفاءة حرارية تصل إلى 40% — وهي مؤشرات استثنائية تعكس كفاءة عالية في استغلال الطاقة الشمسية.

رغم التحديات التي واجهتها إسبانيا في مسارها البيئي، مثل الارتفاع الطفيف في انبعاثات الغازات الدفيئة عام 2022 بسبب انتعاش السياحة وحركة الطيران، فإن نجاح مشروع “جيماسولار” يُثبت أن الاستثمارات الذكية في الطاقة المتجددة قادرة على تعويض هذه الانتكاسات، والحفاظ على المسار نحو أهداف خفض الانبعاثات بنسبة 23% بحلول 2030، وفق التزاماتها في اتفاق باريس.

المحطة، التي دشّنها المهندسون في شركة “Sener” بالتعاون مع مركز “CIEMAT” للأبحاث، بدأت تشغيلها الفعلي في يونيو 2011، وأثبتت على مدى أكثر من عقد أن الطاقة الشمسية يمكن أن تكون مصدر توليد ثابت وموثوق، وليس فقط متقطعاً حسب توفر الشمس.

المغرب أمام فرصة تاريخية

في ظل هذه التطورات، تبرز تجربة إسبانيا كنموذج يُحتذى به، خاصة للدول التي تتمتع بظروف مناخية مشابهة أو حتى أفضل، مثل المغرب. فبفضل موقعه الاستراتيجي، وإشعاع شمسي متميز على مدار السنة، وسواحل طويلة تُهيئ لمشاريع طاقية متكاملة، يمتلك المغرب كل المقومات لتبني نماذج مشابهة أو حتى متطورة أكثر من “جيماسولار”.

استثمار المغرب في محطات طاقة شمسية مُزودة بنظم تخزين حراري متقدمة قد يكون المفتاح لتحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وخفض البصمة الكربونية، في آن واحد. كما أن مثل هذه المشاريع ستفتح الباب أمام خلق آلاف الوظائف في قطاعات الهندسة، والصيانة، والبحث والتطوير، وتدعم الرهان الوطني على الانتقال الطاقي الأخضر.

نجاح “جيماسولار” لا يُعد مجرد إنجاز تقني، بل دليل على أن التحول الطاقي المُستدام ممكن حين تلتقي الرؤية الاستراتيجية بالإرادة السياسية والابتكار التكنولوجي. والآن، لم يعد السؤال هو “هل يمكن للمغرب أن يفعل ذلك؟”، بل “متى سيبدأ المغرب في ترجمة إمكاناته الهائلة إلى مشاريع طاقية واقعية تُحدث فرقاً حقيقياً في مساره التنموي والبيئي؟”.

الشمس تُشرق على المغرب أكثر من 300 يوم في السنة. الوقت قد حان لاستغلالها ليس فقط لتوليد الكهرباء، بل لقيادة قارة إفريقية نحو مستقبل طاقي نظيف ومستقل.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)