احتجاجات الزاك.. مطالب في العلن ومآرب في الظل

اسا الزاك

شهدت مدينة الزاك في الأيام الأخيرة سلسلة متواترة من الأحداث التي شدت الانتباه، بدأت بوقفات احتجاجية في أكثر من موقع وبمطالب وأطراف مختلفة. والمثير أن أحد هذه الوقفات، التي نظمت أمام المركز الصحي، عرفت حوارا مباشرا بين باشا المدينة وإحدى المشاركات التي أكدت أن مطلبهم يتعلق بالدواء. غير أن المسؤول استفسرها عن نوع الدواء المقصود، فلم تجد جوابا واضحا، لتكشف الواقعة عن ضبابية جزء من المطالب.

قبل ذلك بساعات، احتجت مجموعة من النساء للمطالبة بالإنعاش الوطني، رغم أن السلطة سبق أن حددت موعد صرفه في لقاء تواصلي مع فئة أخرى. وقد انتقلت الوقفة من ساحة المغرب العربي إلى أمام مركز الدرك الملكي، رغم عدم ارتباط المؤسسة الأمنية بالمطلب المرفوع.

 

وتوالت الأحداث لتصل إلى ما سمي بـ”العصيان المدني”، حيث أغلقت بعض المحلات التجارية أبوابها، وتوقفت سيارات الأجرة الكبيرة احتجاجا على عدم توقف الحافلات العسكرية بالزاك، وهو مشكل تمت معالجته بتدخل مباشر من عامل الإقليم. والأكثر إثارة للريبة هو اتصال غامض بأحد سائقي الحافلات العسكرية يدعوه لعدم التوقف بالمدينة بدعوى أن الزاك تعيش “شللا اقتصاديا”، وهو ما أكده أحد مسؤولي السلطة المحلية خلال دورة أكتوبر بجماعة الزاك.

 

لكن الأخطر من ذلك كله، ما تم تداوله حول محاولات مجهولين استمالة الشباب للخروج إلى الشارع عبر إغراءات مادية، في إطار ما بات يعرف باحتجاجات “جيل Z”. غير أن يقظة الأجهزة الأمنية وتدخل الدرك الملكي حالت دون انزلاق الوضع.

 

هذه التحركات، وإن عكست بعض القلق الاجتماعي المشروع، تثير في المقابل علامات استفهام: هل هي تعبير عفوي عن مطالب ساكنة لها قضاياها الحقيقية؟ أم أنها موجهة من أطراف سياسية أو جماعات ضغط تسعى لاستثمار الوضع لتحقيق أجندات خاصة؟

 

المتابعة الميدانية توضح أن المشهد مركب: فهناك من يحتج بدافع الحاجة الملحة، وآخرون لا يدركون حتى سبب خروجهم سوى أنه طُلب منهم ذلك، فيما يذهب بعضهم إلى تبني خطاب سياسي حاد، على شاكلة احتجاجات سابقة عاشتها المدينة. هذا التداخل يجعل من الصعب تحديد الخيط الناظم بين جميع الأطراف، لكنه يفتح المجال لفرضية أن السياسة وضغوط الجماعات حاضرة بقوة في الخلفية.

 

ومع ذلك، يبقى الثابت أن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فالتعبير عن المطالب حق مكفول، لكن يجب أن يتم بأساليب حضارية تراعي استقرار المدينة ووحدة البلاد، بعيدا عن أي سلوك قد يمس بالسلم الاجتماعي أو يعطل مصالح المواطنين.

 

لقد أثبتت الأحداث أن الزاك لم تعد تحتمل أن تكون ساحة للتجاذبات السياسية أو مسرحاً لإهدار الزمن التنموي. والمطلوب اليوم هو الحذر من الانجرار وراء خطوات قد تُستغل لإرباك الاستقرار المحلي. فالتاريخ يعلمنا أن الأوطان لا تبنى إلا بالتوافق والعمل المشترك، وأن أي انزلاق يضر بالساكنة قبل غيرها.

 

وبين السياسة والاحتجاجات والضغوط، يظل السؤال الجوهري مطروحا: كيف يمكن للمجتمع المحلي أن يعبر عن مطالبه المشروعة بشكل حضاري ومسؤول، مع الحفاظ على السقف الجامع، وهو الوطن، الذي لا يُساوم ولا يختزل في لحظة غضب عابرة؟

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)