مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
في زمنٍ تتسارع فيه المنصات وتتنوع المحتويات، أصبح الأنمي الياباني نجم الشاشات ومتنفساً مفضلاً للملايين من الشباب العربي. لكن خلف الرسومات المبهرة والحكايات المثيرة، تلوح أسئلة مقلقة: هل نحن أمام فنٍّ ترفيهي بريء؟ أم أن هناك هروباً جماعياً إلى عوالم وهمية تحمل بين طياتها غزواً ثقافياً ناعماً لقيمنا ومجتمعاتنا؟
“إيسيكاي”… بطل منبوذ يصبح منقذاً للعالم!
من أبرز ظواهر الأنمي الحديث، ما يُعرف بنمط “الإيسيكاي” – حيث ينتقل شاب يائس أو منبوذ من العالم الواقعي إلى كونٍ خيالي، ليصبح فجأة بطلاً خارقاً، محاطاً بالقوة، الإعجاب، وأحياناً… بالنساء.
هذه القصص تُسَوّق فكرة سحرية: “فشلك في هذا العالم لا يهم، فهناك عالم آخر ينتظرك لتتألق فيه!”. وبينما تبدو مغرية، فإن هذا الوهم الوردي قد يُضعف إرادة التغيير الحقيقي، ويزرع في أذهان الشباب أن الحل ليس في الصبر أو الاجتهاد، بل في الهروب أو انتظار المعجزة.
بطولة مزيّفة… ومكافآت مريبة!
الأمر لا يقف عند اكتساب البطل لقوة خارقة، بل غالبًا ما يُكافَأ أيضاً بـ”جوائز خيالية” على شكل معجبات وفتيات بملابس مثيرة جنسياً، يُقدَّمن له على طبق من ذهب. هذا النمط المتكرر يغزو أعمالاً عديدة، ويُسوّق تحت لافتات “الرومانسية” أو “الكوميديا”، بينما يُمرر رسائل خطيرة دون وعي المراهق.
فمن جهة، يُربط التفوق والبطولة بالحصول على الاهتمام الجنسي، ومن جهة أخرى، تُختزل صورة المرأة إلى دور الإغراء، لا إلى شخصية مستقلة. أما الأخطر، فهو أن هذا كله يُعرض على أنه طبيعي، فني، ومضحك – مما يؤدي إلى تطبيع ثقافة الإيحاء والانجراف الأخلاقي في عقول الشباب.
حين تصبح البطولة غطاءً لأفكار دخيلة
وراء هذا اللمعان البصري، تمرر العديد من الأنميات رسائل متعارضة مع الثقافة العربية والإسلامية، منها:
تمجيد العنف والانتقام كوسيلة لتحقيق الذات.
تقديس الفرد على حساب الجماعة، حيث “البطل المختار” وحده يمتلك الحلّ، فيما يُهمش التعاون والتكافل.
التطبيع مع سلوكيات غير أخلاقية، مثل شراء “العبيد” أو علاقات مشبوهة تُعرض تحت ستار “الرومانسية الكوميدية”.
بل إن بعض الأعمال تذهب إلى أبعد من ذلك، بتصوير التحرش أو العلاقات المحرمة كـ”مواقف مضحكة”، مما يخلق حالة من اللامبالاة الأخلاقية لدى المتلقي.
شبابنا بين الخيال والانفصال عن الواقع
في ظل وصول غير مسبوق للأنمي عبر منصات مثل Netflix وCrunchyroll، بات كثير من الشباب يقضي ساعات طويلة في متابعة هذه العوالم، ما يطرح عدة مخاطر:
1. تبديل الطموح الواقعي بأحلام مستحيلة، حيث تُصبح البطولة مجرد “نقلة” إلى عالم آخر، لا نتيجة صبر أو كد.
2. تطبيع قيم غريبة تبدأ بالسحر والعلاقات المفتوحة، ولا تنتهي بترسيخ فكرة أن “الضعيف يستحق الإذلال”.
3. انزلاق لاشعوري نحو قبول العنف الأخلاقي أو الجنسي، حين يُصور كعنصر تسلية لا أكثر.
هل نمنع الأنمي؟ لا… لكن لا نُسلمه مفاتيح عقولنا!
الأنمي، كأي فن، فيه الجيد وفيه المسيء. والحل ليس في المنع، بل في الوعي والمواكبة.
على الأسر والمربين متابعة ما يشاهده أبناؤهم، لا بمنطق الرقابة القاسية، بل بالحوار والفهم.
هناك أنميات راقية تحمل قيماً عظيمة،
فلنكن مرشدين لا رقباء، ولنُذَكّر أبناءنا أن البطولة الحقيقية ليست في عوالم الخيال، بل في الثبات، والتعلم، ومواجهة الواقع بشجاعة.
خاتمة: ترفيه أم ترويض؟ القرار بيدنا
الأنمي ليس العدو… بل اللامبالاة في استقباله دون وعي هي الخطر الحقيقي.
لنجعل من كل حلقة فرصة لنقاش، ومن كل قصة مجالاً للتمييز بين الخيال البناء والخيال المُضلل.
ففي عصر العولمة الرقمية، لم يعد الغزو بالمدافع، بل بالرسوم… والمحتوى!
تعليقات ( 0 )