مع الحدث
المتابعة ✍️: ليلى الصحراوي
يبقى السؤال الأزلي: هل الإنسان مخيَّر في مسار حياته أم مسيَّر بخطوط القدر؟ سؤال تفرّعت حوله مدارس الفكر والفلسفة، وحاول الكثيرون سبر أغواره دون الوصول إلى إجابة قاطعة. لكن تأملات الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو تقدّم رؤية فريدة، تمزج بين التسيير والتخيير، من خلال مفهومه المحوري: “اللامعقول”.
يرى كامو أن الإنسان يعيش في عالم تحكمه الضرورات والمكتوب، أي القدر الذي يبدو في كثير من الأحيان غير مفهوم، بل صادماً للعقل. فحين تتكالب المصائب والأحداث على الفرد، يجد نفسه عاجزاً عن إدراك الحكمة من ورائها. وهنا ينشأ التناقض: رغبتنا في البحث عن المعنى، مقابل صمت الكون عن منحنا إجابة واضحة.
هذا الوضع وفق كامو يجسّد “التسيير”: فالإنسان لا يستطيع الهروب من قدره، ولا الانفلات من مساره المكتوب. ومع ذلك، فإن مساحة الحرية تظل قائمة في شكل آخر: حرية الموقف والاختيار. فهو مُخيَّر بين الاستسلام لما هو قائم، أو الثورة عليه.
الثورة هنا ليست بالضرورة صراعاً مادياً أو عنفاً، وإنما فعل مقاومة معنوية ووجودية ضد عبثية الحياة. فكما يقول كامو: “التمرد هو ما يمنح الحياة قيمتها”، إذ يصبح رفض اللامعقول والبحث عن معنى بديل فعلاً وجودياً يثبت إنسانيتنا.
ولعل الواقع المعاصر يقدّم أمثلة حيّة على هذا الطرح. ففي فلسطين، يواجه الشعب واقعاً مأساوياً: حصار، قمع، وتشريد، في مشهد يفوق قدرة العقل على استيعاب معناه. هو قدر يبدو “غير معقول”. ومع ذلك، يختار الفلسطيني المقاومة، مفضّلاً الثورة على الاستسلام، ليجعل من فعله هذا تحدياً للقدر الجائر وتجسيداً لإرادة الحياة.
من هنا نستخلص أن الإنسان مسيَّر بقدرٍ لا يستطيع الفكاك منه، لكنه في الوقت ذاته مُخيَّر في كيفية التعامل معه: بين خضوع خانع أو مقاومة كريمة. إنها مساحة الحرية التي تترك للإنسان بصمته ومسؤوليته.
فالخيار في نهاية المطاف، ليس وهماً، بل هو ما يحدد مصيرنا، وما يجعلنا بشراً قادرين على صناعة المعنى رغم عبثية الوجود.
وكما يقال: “في كل تسيير، اختيار، وفي كل اختيار مصير.”
تعليقات ( 0 )