الابتزاز الإلكتروني…جريمة في الظل وضحية تحت المقصلة

هند بومديان

في عصرٍ أصبح فيه العالم قرية صغيرة، تحولت التقنية من أداة تسهّل الحياة إلى سيف ذي حدين، يحمل في طياته فرصًا لا متناهية، لكنه يخفي أيضًا كوابيس مرعبة لضحاياه. التهكير الإلكتروني، الذي بدأ كوسيلة لاختبار أنظمة الأمان، تحول إلى سلاح في يد المبتزين الذين لا يتورعون عن استغلال ثغرات الأفراد لنهبهم نفسيًا، ماديًا، واجتماعيًا.

يدخل الضحية إلى شبكة الإنترنت بأمان زائف، يحمّل ملفًا مشبوهًا، أو يثق برسالة خادعة، ليجد نفسه فجأة أمام مأساة غير متوقعة. بياناته، صوره، أو حتى حياته الرقمية بأكملها أصبحت في قبضة شخص مجهول. تبدأ التهديدات، ويُفتح باب الابتزاز، حيث يُطلب المال أو تُفرض شروط تحكم على الضحية بالصمت والخضوع.

لكن المشكلة لا تتوقف عند المبتز فقط، بل تتفاقم حين تتسلل إلى نظرة المجتمع، الذي كثيرًا ما يكون القاضي قبل أن يكون المدافع، محملًا الضحية جزءًا من المسؤولية، وكأنها شريكة في جرم لم ترتكبه.

حين يقع الشخص ضحية للتهكير، يكون أمام طريقين أحلاهما مر. إما الرضوخ والعيش في دوامة الذل والخوف، أو المواجهة التي قد تجر وراءها العار الاجتماعي. والمشكلة الأكبر أن النساء في مجتمعات كثيرة يدفعن الثمن الأغلى، حيث تحوّل المأساة من جريمة إلكترونية إلى حكم أخلاقي يضع الضحية تحت مقصلة اللوم أكثر من المجرم نفسه.

العديد ممن تعرضوا للابتزاز الرقمي اختاروا الصمت خوفًا من الفضيحة، مما منح المبتزين مساحة أوسع لجرائمهم. هؤلاء المجرمون يراهنون على الخوف، ويعرفون أن المجتمع لن يسأل كيف سُرقت البيانات، بل سيتساءل لماذا كانت موجودة أصلًا.

رغم وجود قوانين تجرّم الابتزاز الإلكتروني، إلا أن الضحايا غالبًا ما يواجهون عراقيل كثيرة عند التبليغ، من بيروقراطية الأجهزة الأمنية، إلى ضعف الدعم النفسي والقانوني، مما يجعل الكثيرين يفضلون الصمت. وحتى حين يتحرك القانون، يظل الخوف من نظرة المجتمع عقبة يصعب تجاوزها.

الحل يبدأ بخلق وعي مجتمعي حقيقي، حيث يجب أن يُنظر إلى الضحايا كأشخاص تعرضوا لجريمة، وليس كأفراد يستحقون اللوم. تقوية القوانين، وتسهيل آليات الإبلاغ، وتوفير دعم نفسي وقانوني مجاني للضحايا، كلها خطوات ضرورية لإيقاف نزيف هذه الجريمة.

في النهاية، التهكير والابتزاز الإلكتروني ليسا مجرد مشكلات رقمية، بل هما انعكاس لنظام اجتماعي قائم على الخوف، حيث يُعاقب الضحية قبل الجاني. وحتى يتحقق التغيير، سيبقى الكثيرون رهائن في سجون غير مرئية، محكومين بالخوف والصمت.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)