الصادق بنعلال
مرة أخرى أجد نفسي مضطرا للتأكيد على أن صعود فارس البوغاز إلى قسم الأضواء بعد أن أمضى حوالي سبع سنوات في القسم الوطني الثاني، لم يكن مجرد انتقال نادي كروي من مستوى إلى مستوى آخر أفضل، بقدر ما أنه حدث رياضي وطني بالغ الأهمية. صحيح لا يملك فارس البوغاز تاريخا عريقا حافلا بالألقاب والأمجاد الرفيعة وطنيا ودوليا ، كما هو الشأن بالنسبة للفرق المغربية المرجعية من قبيل الوداد والرجاء، و في زمن ليس ببعيد الجيش الملكي، لكنه يتوفر على أسس ومكونات النادي الكروي بحصر المعنى، تاريخه الزاخر باللاعبين والأطر التقنية والإدارية المتميزين، ومدينة لها سحر كوني مشهود وجمهور حضاري مبدع خطف الأضواء وطنيا وعالميا ..
لم يكن المتتبعون المغاربة “الجدد” على علم بحياة كروية غنية خارج مدينة الدار البيضاء، لم يكونوا على “معرفة” بحركية مشهدية رياضية خارج مركب محمد الخامس، وبمجرد التحاق ممثل عروس الشمال أصيبت الفصائل الرياضية المغربية بصدمة إيجابية، استفاقوا إثرها على إيقاع احتفالية فنية غير مسبوقة. فلئن كانت مدرجات ملاعبنا لا تضم في الغالب سوى عشرات أو مئات من المساندين، فإن الجماهير الطنجوية الهيرقلية خلخلت هذه الصورة الباهتة وألحقت الكرة المغربية بمثيلتها الأوروبية من حيث الفاعلية الرياضية بالمعنى العام للكلمة، و بدأنا نشاهد ملعب ابن بطوطة الكبير مليئا بعشرات الآلاف من المساندين رجالا و نساء وبقدر كبير من الروح الحضارية العالية، والصور والتيفوات والأغاني الحماسية المزلزلة.. بيد أن الملمح الجمالي الأخاذ لم يعمر طويلا بفعل أخطاء ارتكبت وبشكل غير مقبول، أشرنا إليها في مناسبات كثيرة، فساءت النتائج وتراجع الأداء واختفى الجمهور الذي لا يطلب أكثر من العرض الفني المقنع على أرضية الملعب.
و بعد أن “جرت مياه تحت الجسر” وجدنا النادي الذي راهنا على إشعاعه يواجه وبمرارة العودة مجددا إلى “عالم الظلمات”، ويبصم على عروض بالغة السوء أداء ونتيجة، ولم نتوقف عن توجيه انتقاداتنا الحادة للمسئولين، ليس حبا في النقد بل غيرة ورغبة في إنقاذ فريق، أنصاره بالملايين داخل مدينة طنجة وخارجها، و بعد أن تكاثفت جهود الأطراف المعنية بفارس البوغاز في الأسابيع الأخيرة من عمر هذه البطولة: المكتب المديري والطاقم التقني والطبي واللاعبين والصحافة الجهوية والجمهور العظيم .. تمكنا من إنجاز المستحيل وضمان البقاء مع الكبار، بعد أن كاد البعض يفقد الأمل ويستسلم للمصير المؤلم.
و نحن في هذا السياق بقد ما نعبر عن سعادتنا بالحفاظ على وضعنا الاعتباري، وعن إشادتنا بكل من ساهم في الدفاع عن كرامة النادي و قيمته الرمزية، بقدر ما نطالب بإعادة النظر في مجموعة من الحيثيات و الاعتبارات التدبيرية من أجل عدم تكرار أخطاء كان من الممكن أن تكلفنا غاليا. ولئن كنا نقدر كل الفرق الكروية المغربية العزيزة، ونساندها في منافساتها الخارجية من أجل تمثيل المغرب و الدفاع عن ألوانه، فإننا لا يمكن أن نتصور مشهدا رياضيا وطنيا خاليا من الاحتفالية الطنجوية بالغة الروعة و الجمال !
Share this content:
إرسال التعليق