الحركة الانتقالية .. محرقة انتقامية!
الصادق بنعلال
سبق لنا أن خصصنا مقالا في هذا السياق، أبرزنا فيه بعض مظاهر الحيف والظلم الذي شمل مجموعة من المدرسين الذين شاركوا في الإجراء الإداري السنوي المألوف المتمثل في “الحركة الانتقالية”، بنقط مرتفعة جدا مقارنة مع زملائهم من نساء ورجال التعليم، منهم من التحق بهذه الوظيفة الشريفة منذ الثمانينيات من القرن العشرين ليجد نفسه خارج لائحة المقبولين، لا لشيء إلا لأنه فضل في مرحلة من مراحل مسيرته التعليمية أن يساهم في إغناء منجزه التربوي التكويني، حيث قبِل أن يُوضع رهن إشارة مصالح البعثة الأجنبية والفرنسية على وجه الخصوص، لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، مع الاحتفاظ بالانتماء القانوني لإطاره و إدارته الأصليين. ولما أراد أن يعبرعن رغبته في الانتقال إلى المدينة التي يرغب في استكمال ما تبقى من مشواره بين أحضانها، إثر عودته مجددا إلى أجواء المدرسة المغربية، صُدت في وجهه السبل، وانفتحت أمام من يتوفر على بضع سنوات، بدعوى أنه تمت إعادة “تعيينه” من جديد، مما يحرمه من كل النقط التي استجمعها طيلة عقود من السنين ! و هكذا نشرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي يومه الاثنين 8 من هذا الشهر نتائج هذه “الحركة”، التي أسفرت عن استفادة ما مجموعه 53.668 أستاذة وأستاذ، كما بلغ عدد المستفيدات والمستفيدين في إطار الالتحاق بالزوج (ة) ما مجموعه 6979 : ( 60 في المائة ) و لم تنس الوزارة المحترمة أن تذكرنا كعادتها بأن إعلانها عن نتائج المستفيدين من الحركة الانتقالية في هذه اللحظة بالذات، يندرج في إطار الإعداد المبكر “لبنيات تربوية توفر لجميع المتعلمات والمتعلمين تحصيلا دراسيا ذا جودة”، لا بل إن الوزارة الموقرة على دراية تامة بأن ذلك سيحفز السيدات والسادة المدرسين على “المزيد من العطاء بكل حزم ومسؤولية في أفق استقبال موسم دراسي جديد بمقرات عمل جديدة بروح وآمال متجددة تعود بالنفع على الناشئة التعليمية” ! فإلى أي مدى كانت هذه الوزارة المبجلة صادقة في “بيانها وتبيينها”، وهي تعبر عن “غرامها وهيامها” بالجودة والعطاء والآمال المتجددة، و “حدبها” على الناشئة التعليمية !؟ في الواقع بقدر ما يسعدنا إلى أبعد حد أن يستفيد هذا الكم الهائل من المدرسات و المدرسين، من حقِهم في الالتحاق بأسرهم ومدنهم وقراهم، استئنافا لرسالتهم التربوية العظيمة، و هم في أحسن الظروف وأفضلها، بقدر ما يؤلمنا حرمان فئة أخرى من نساء ورجال التعليم وخاصة من وضعوا رهن إشارة المصالح البعثات الأجنبية، الذين أفنوا عمرهم في العطاء غير المشروط، استنادا إلى قوانين موغلة في الإجحاف والإقصاء. فما هو المبدأ التربوي الذي يسمح لمدرس أمضى ثلاث سنوات في مهنته التكوينية بأن يستفيد من الحق في الانتقال إلى الوجهة التي ارتضاها، ويحرم مدرسا آخر استهل مسيرته التربوية في القرن العشرين، وما فتئ كما عهدناه منكبا على عمله بإخلاص وتفان في القرن الواحد والعشرين ؟ و للإشارة قد نعثر على أستاذ جليل امتلأ رأسه شيبا وبلغ من الكبر عتيا، و”رأسماله” 164 نقطة من الأقدمية، ومع ذلك “ينهزم” أمام مَنْ نَصيبُه ست نقط ! رجاء كفوا عن الحديث عن مدرسة “الإنصاف والجودة والارتقاء”، فهذا العنوان التربوي العريض لا يليق بكم !
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق