بقلم: سيداتي بيدا
ما عاد الظلم غريبًا، لكن الأقسى حين يتزيّا بوجهٍ مألوف، ويأتيك في ثوب أخيك، ابن قريتك، شريك لغتك، ورفيق غربتك.
في مشهدٍ يندى له الجبين، كشفت السلطات الإسبانية عن شبكة إجرامية يقودها مغاربة، تورّطت في استغلال مهاجرين مغاربة للعمل في المزارع تحت ظروف قاسية، غير قانونية، أقرب ما تكون إلى عبودية العصر. لا وثائق، لا أجور عادلة، لا سكن لائق، ولا كرامة تُحترم.
المأساة ليست فقط في جريمة الاستغلال، بل في من ارتكبها. لم تكن عصابة أجنبية أو تجار بشر عابرين، بل أبناء وطن واحد، يتقاسمون مع الضحايا الذاكرة والهوية، والدم. فكيف لإنسان أن يستعبد من يشبهه؟ كيف لعقل أن يطمئن وهو يحوّل الحاجة إلى أداة إذلال، والضعف إلى وسيلة كسب؟
أيها الجشعون، أيها السماسرة، لقد دنّستم الخبز، ولوّثتم اليد العاملة، وبعتم شرف المهنة في سوق الذل.
ألم تتذكّروا يوم كنتم أنتم أيضًا تبحثون عن فرصة؟
ألم تهتفوا يومًا: “نريد الكرامة”؟
فكيف انقلبتم جلادين لرفقاء الدرب؟
هذه ليست مجرد “مخالفة قانون الشغل”، بل جريمة أخلاقية، خيانة إنسانية، وطعنة في خاصرة المهاجر الذي رمى خلفه الوطن طلبًا للستر، لا للسُخرة.
وإننا نُحمِّل المسؤولية كاملة لكل متواطئ، صامت، أو مستفيد.
القانون يجب أن يكون صارمًا لا يعرف رحمة مع تجار البشر.
الإعلام يجب أن يسلّط الضوء لا أن يكتفي بنشر الأرقام.
والمجتمع، عليه أن يكسر جدار الخوف، ويُعيد تعريف الصمت على الجريمة: شراكة.
أما أنتم، من خُدعتم بعقود وهمية، واعتمدتم على من حسبتموهم “إخوة”، فاعلموا أن الحقوق لا تُوهب، بل تُنتزع، وأن صوتكم وإن كُسر لا يزال يملك أثر الرعد إن رفعتموه.
ولمن يخطط لتكرار الجريمة:
الكرامة ليست سلعة، ومن يبيع الإنسان، يشتري لنفسه لعنةً لا تزول.
تعليقات ( 0 )