الفن بين الرسالة والانحراف: حين تصبح الأغاني خطرًا على المجتمع وقيمه

مع الحدث

المتابعة ✍️ : ذ لحبيب مسكر

 

 

في زمن يُفترض أن يكون فيه الفن وسيلةً لإعلاء القيم وبثّ الإلهام، تحوّلت بعض الأغاني إلى أدواتٍ تروّج للانحدار الأخلاقي بكل وقاحة. فما كان يُعتبر يومًا تعبيرًا فنيًّا راقيًا، صار مجرد كلمات تُمجِّد السكر، وتُبجِّل حياة الملاهي الليلية، وتُقدِّس المال الحرام المرتبط بالمافيا والمخدرات. والأخطر من ذلك أن هذه الرسائل تُقدَّم في قوالب جذابة تُغري الشباب وتُضلِّل وعيهم.

 

الفن الهادف أم الترويج للإجرام؟ خطٌّ رفيع يختفي

 

لم يعد خافيًا ذلك التحوّل الخطير في المحتوى الغنائي، حيث أصبح بعض “الفنانين” يتبارون في تقديم أغانٍ تختزل “النجاح” في تجارة المخدرات، و”الهيبة” في حياة اللهو والمجون. والأمثلة لا تُحصى، منها ذلك الفيديو كليب الذي حوّل فنانًا شعبيًّا نفسه إلى “زعيم مافيا” يتفاخر بالثراء الحرام، وسط سيلٍ من المشاهد التي تُبرز الخمر والتبذير، وكأنها إنجازات يُحتذى بها!

هذه ليست حرية فنية، بل انتهاك صارخ لرسالة الفن. فالفن الحقيقي يُنير العقول، لا أن يدفعها نحو الانحراف. كيف نقبل أن يصبح “زعيم العصابات” بطلًا في الأغاني، بينما هو في الواقع مجرم يُدمّر الأسر والمجتمعات؟

 

“إنها تعكس الواقع”.. حجةٌ واهية تُخفي التهرب من المسؤولية

 

يتذرع البعض بأن هذه الأغاني “تعبر عن فئة موجودة”، لكن السؤال الجوهري: أي واقع نريد تكريسه؟ هل نريد أن نُبرر الإجرام ونُجمّله فنيًّا؟ أم نطمح إلى فنٍّ يُسلّط الضوء على المكافحين، وينقل معاناة الأسر التي دمّرتها المخدرات؟

الفرق بين فنانٍ حقيقيّ وصانع ضجيج، هو أن الأول يرفع المجتمع بفنه، بينما الثاني يتاجر بانحداره. فلماذا لا نسمع أغانٍ عن شاب انتصر على الإدمان؟ أو عن أسرة كافحت الفقر بشرف؟ أليس هذا هو الواقع الذي يستحق أن يُغنَّى؟

 

المسؤولية المشتركة: فنانون بلا ضمير وجمهورٌ يتغذى على السموم

 

المشكلة لا تقتصر على الفنانين وحدهم، فبعض الجمهور يُشجّع هذا الانحدار، ويحوّل الأغاني الهابطة إلى “فيروسات” تنتشر عبر مواقع التواصل. كل مشاهدة أو مشاركة لهذا المحتوى هي تصويتٌ لاستمراره.

كما أن العائلات مطالَبةٌ بمراقبة ما يستهلكه أبناؤها، وتحصينهم بوعيٍ نقدي. فالشاب الذي يرى “زعيم المافيا” في الكليب قدوة، قد ينزلق إلى تقليده، معتقدًا أن هذه هي الطريق السريع للنجاح!

 

خاتمة: هل نستعيد الفنّ أم نستسلم للانحدار؟

 

القضية ليست منعًا للفن، بل تصحيحًا لمساره. فالفن رسالة سامية، لا وسيلةً لتدمير الأجيال.

للحكومات: فرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يروّج للجريمة.

للفنانين: تذكّروا أنكم قدوات، فاختاروا بين أن تُخلّدوا أو أن تُدمّروا.

للمجتمع: قاطعوا الفن الهابط، وادعموا الأغاني التي تُعزز القيم.

فليكن الفن انعكاسًا لأفضل ما في الإنسان، لا أسوأ ما فيه. فالشباب يستحقون قدوات تُلهِمهم، لا نماذج تُهلكهم.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)