*أحمد براو
كشفت دراسة أجرتها عدة لجان تابعة للأمم المتحدة، بينها لجنة الأمم المتحدة الإجتماعية والإقتصادية لغرب آسيا “الإسكوا” (ESCWA) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن التحديات الإجتماعية والإقتصادية والحقوقية التي تواجهها النساء والفتيات قد ازدادت سوءا خلال السنتين الأخيرتين بسبب وباء كورونا.
– بانوراما النساء المغربيات بإيطاليا
.يراوح عدد النساء المغربيات في آخر إحصاء لمغاربة إيطاليا أكثر من مئتي ألف بحسب موقع “كل إيطاليا” ويعد أقل قليلا من عدد الذكور المغاربة الذين يفوقونهن بخمسين ألف، ومؤخرا ارتفع المعدل ل43.7 في المئة، مع ارتفاع معدل المواليد، بحيث بلغ عدد المواليد الجدد 14.622 منهم 12608 من أبوين مغربيين. وفي المجموع ، هناك 150،023 قاصرًا (655 غير مصحوبين بذويهم) ، ولوحظ في العقدين الأخيرين ارتفاع لعدد النساء المغربيات في إيطاليا بسبب التجمعات العائلية، وعرف أيضا تطور العنصري النسوي من جانب الإندماج في النسيج الإيطالي من الناحية الإجتماعية والتشغيلية وعلى الرغم من التهميش التي تعاني منه المرأة المغربية فقد استطاعت أن تقتحم مجالات عدة كانت حكرا على الرجال كالتجارة والفلاحة والأعمال الحرة والخدمات بصفة عامة، وعلى الرغم من الضغوطات التي تتحملها النساء المغربيات من إدارة المنازل وعملهن ربات بيوت، وتربية الأبناء فقد تمكنن بموازاة ذلك من مزاولة بعض الأعمال البسيطة كالشغل في البيوت الإيطالية ورعاية المسنين والمرضى والأطفال في ظل منافسة قوية لنساء لهن تجربة كبيرة في هذه المجالات مثل الفليبنيات و-الشرق أوروبيات- أوكرانيا وبلغاريا، وأمريكا اللاتينية.
النسبة العالية المصدرة للمهاجرين المغاربة بإيطاليا هي من الجهتين الخامسة والسادسة للتقسيم الجهوي المغربي أي جهة “الدار البيضاء-سطات” وجهة “بني ملال-خنيفرة”. وهذا يشير لنوعية العنصر النسوي المحافظ والقروي الذي يغلب على مغربيات إيطاليا والنسبة العالية لضعف التمدرس وارتفاع نسبة الأمية وكذلك العقلية الذكورية التي لا تفتح المجال للزوجات لمتابعة الدورات لتعليم اللغة والثقافة الإيطاليتين، ولم يبدأ ذلك إلا مع صدور قانون امتحان اللغة من أجل الحصول على بطاقة الإقامة.
ويُشهد للنساء المغربيات الحفاظ على الهوية والثقافة المغربيتين بحيث لا تكاد تصدق أنك في إيطاليا إذا دخلت منزلا لعائلة مغربية. بالإضافة لتعليمهن الأطفال اللغة الدارجة المغربية وبعض سور القرآن الكريم وكذلك الأناشيد والأغاني المغربية والإهتمام بالأثاث واللباس وبالطبخ المغربي.
– التمييز العنصري والعنف الأسري والتهميش بعض معوقات اندماج المرأة المغربية في إيطاليا
على الرغم من تشدق الغرب بالحرية والمساواة وحقوق النساء لازالت المرأة أو الفتاة المغربية تعاني من التمييز العنصري في الشغل والشارع والإدارات بحكم البشرة واللباس واللغة الأجنبية ويتعرضن لمضايقات وانتهاكات وتحرش في المنازل الإيطالية وأماكن العمل وينظر لهن نظرة دونية باحتقار وفي بعض الأحيان عرضة لاستغلال جنسي، أما داخل البيت فتكون المرأة منهكة ومستغلة من طرف الرجال بحيث تعمل خارج وداخل البيت ويقع على عاتقها كل الأشغال من طبخ ونظافة وترتيب البيوت ورعاية الأبناء وإخراجهن للعب والتنزه، هذا مع حدوث بعض المناوشات داخل الأسرة قد تؤدي إلى العنف والضرب والتعنيف والتجريح بحكم العقلية السلطوية للرجل وعدم التزامه بالمودة والرحمة أساس الحياة الزوجية في المجتمع المسلم، وقد تتفاقم الأَوضاع لحد أبعد، يكون الأطفال ضحايا هذه المشاكل العائلية، التي تؤثر عليهم نفسيا وتزيد الطين بلة عندما تتدخل السلطات الإيطالية عن طريق محكمة الأسرة والمرشدات الإجتماعيات غالبا ما تتفكك الأسرة وينتزع الأطفال من أحضان أمهم وأبيهم.
لا توجد برامج ناجعة ذات مشاريع هادفة تجعل من هذه القضايا الخاصة بالمرأة المغربية موضوع اهتمام ودراسة وإيجاد بعض الحلول بسبب التهميش الذي تعاني منه المرأة المغربية بإيطاليا، وإن وُجدت وأُنجزت لا تتمكن من تمريرها بسبب قلة الدعم وإذا مُرّرت تكون جد محدودة النتائج ولا تعود بالفائدة النهائية للفئة المستهدَفة بل يستغلها واضعي هذه المشاريع من أجل اختلاس الأموال والظهور العلني على أنها أقيمت إحدى الأنشطة والفعاليات وبعد ذلك “تعود حليمة لعادتها القديمة” وتعود الأمور لمجراها الطبيعي.
–المرأة المغربية بإيطاليا قادرة على كسب الرهان ومعالجة مشاكلها
“لا يحك جلدك مثل ظفرك” مثل ينطبق بحذافيره على وضعية المرأة المغربية بإيطاليا، طبعا لأنها عنصر متميز بين النساء الأخريات في إيطاليا بسبب جلَدها وصبرها ومثابرتها من أجل الوصول لأهدافها، إن ميزة المرأة المغربية هو الإهتمام البالغ بالأسرة والحرص على إيجاد أفضل الظروف لتربية الابناء وتعليمهم وخدمة الأزواج ولو على صحتها ونفسيتها التي تكون أغلب الأحيان منهارة بسبب تراكم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والنفسية، لكنها تقتحم الصعاب وتأخذ على عاتقها تكاليف هذه الحالة ولو في غياب تام للأزواج وعدم اهتمامهم بشؤون البيت والأسرة والأبناء.
أدّعي أن المرأة المغربية المهاجرة بإيطاليا تعتبر بطلة وظاهرة فريدة لأنها تتحمل وتصبر ما لا يستطيع حمله الجبال، إلا أنه يجب عليها ترتيب أولوياتها والمحافظة على كينونتها وصناعة حاضرها ومستقبلها، َأول ما يجب عليها اقتحامه هو ميدان المعرفة والتكوين والتربية لتتمكن من تثقيف نفسها والوقوف على متطلبات مرحلتها وتبسيط عملية اندماجها مع الحفاظ على تقاليدها ودينها وهويتها الوطنية. ومن تم خدمة بلدها الثاني إيطاليا والمشاركة في تنميته وتربية أجياله القادمة.
–دور المجتمع المدني والجمعيات المغربية في إدماج المرأة المغربية
في كل فعالية لقاء أو محاضرة أو استشارة يكون الجانب النظري له باع أوسع في تقعيد وتنظير جانب العنصر النسوي المغربي في قوانين وبرامج ومشاريع الجمعيات، لكن في الجانب التطبيقي نجد العكس هو الحاصل والسبب أولا لضعف مشاركة المرأة في هذه الفعاليات وهي المعنية بالأمر فكم من جمعية مغربية مثلا ترأسها امرأة؟ وإذا كانت فهي تقتصر على الجانب النسوي والإجتماعي وليس في وضع المشاريع واتخاذ القرارات. ثانيا هو العقلية الذكورية السلطوية المُحبة للمناصب والظهور وتحمّل المسؤولية والأمانة بدون استحقاق وبقلة الكفاءة وحب التفرّد بالسلطة وفرض الرأي الأوحد وانعدام التشاور.
إن الفاعل الجمعوي المحترف والمناضل الذي يعمل من أجل الصالح العام مدعو لكي يشرك في عمله مقاربة النوع والإستفادة من العنصر النسوي بسبب الإبداع الذي تتميز به المرأة في جانب التربية والإجتماع وفي الجانب العاطفي والنفسي والصحي فالمرأة لها الصلاحية لتعمل مرشدة اجتماعية أفضل من الرجل وتعمل ممرضة ومربية ووسيطة وثقافية وحاضنة للأطفال والشباب، فهي أولا وأخيرا أم حنون ورفيقة طيبة وأخت عزيزة وبنيّة كريمة وزوجة صالحة.
*أستاذ باحث ورئيس فوروم مغاربة كالابريا
Share this content:
إرسال التعليق