مع الحدث
المتابعة ✍️ : ذ لحبيب مسكر
في عالم تتقاذفه الأزمات وتتصارع فيه القوى على رسم خرائط النفوذ، لم تعد المناورات العسكرية مجرد تدريبات روتينية، بل غدت لغة موازية للدبلوماسية، ووسيلة للتعبير عن مواقف يصعب قولها في بيانات رسمية أو طاولات التفاوض. إنها استعراض للصوت حين يخفت الحوار، واستدعاء للقوة حين ترتبك السياسة.
في أقاصي آسيا، تُحاكي الصين حصار تايوان، لكنها في الواقع تُعبّر عن رؤيتها لوحدة أراضيها، وترسم حدودًا رمزية لأي تدخل أجنبي. وفي الغرب، تجوب حاملات الطائرات الأمريكية المحيط الهادئ ضمن تمارين ضخمة، لا تخلو من الرسائل المبطّنة: نحن هنا، ولن نغيب عن مشهد الصراع.
أوروبا، بدورها، تعيد ترتيب بيتها الدفاعي عبر مناورات الناتو، وكأنها تقول: “نتذكر الحرب، ولن نُفاجأ بها مجددًا”. أما روسيا، التي أعادت الحرب إلى القارة العجوز، فتخاطب العالم بلغة الردع والنووي، في محاولة للظهور كقوة لا يمكن تجاوزها، حتى لو كانت معزولة سياسيًا.
المغرب: حين تتحول الصحراء إلى منبر جيوسياسي
وفي الجنوب المتوسطي، يبرز المغرب بذكاء في خريطة التوازنات الجديدة. ليست مناورات “الأسد الإفريقي” مجرد تدريبات، بل ترجمة ميدانية لمكانة دبلوماسية آخذة في الصعود. بمشاركة قوى دولية كبرى، وعلى أرض تشهد تحولات استراتيجية، يؤكد المغرب أنه فاعل لا مجرد متفرّج، وأن أمنه القومي مرتبط برؤية إقليمية أوسع، تتقاطع فيها المصالح بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا.
هذا الحضور المتنامي ليس فقط عسكريًا، بل يمثل نضجًا في السياسة الخارجية، حيث تُستثمر الشراكات الدفاعية لتعزيز مواقف البلاد في قضايا مصيرية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. فالرسالة التي تُفهم من هذه المناورات تقول: المغرب ليس وحده، وهو جاهز لكل الاحتمالات… سياسياً، أمنياً، وجيوسياسياً.
في الختام: حين يُصبح التدريب سياسة
ما بين البحر الأصفر و الصحراء المغربية، تتحدث الجيوش بلغة تتجاوز التكتيك. فالمناورات اليوم، في جوهرها، تمارين سياسية، قد تسبق حروباً أو تمنع اندلاعها. إنها اختبارات لصبر الخصوم، وامتحان لتحالفات تتشكل خلف الكواليس.
في زمنٍ يختلط فيه الاستعراض بالحسابات الاستراتيجية، يظل الفارق بين التدريب المشروع والاستفزاز المقصود ضبابيًا. لكنه واضح لدى من يقرأ السياسة بين سطور المدافع.
تعليقات ( 0 )